إسلام أونلاين 17/10/2005
عاط٠معتمد عبد الØميد
لم تكن الساعات الثلاث التي قطعتها السيارة من نيودلهي إلى أجرا طمعا ÙÙŠ بلوغ تاج Ù…ØÙ„ مجردة من المتعة والشوق.
ÙÙÙŠ Ø§Ù„ØµØ¨Ø§Ø Ø§Ù„Ø¨Ø§ÙƒØ± على الطريق الزراعي تجد Øقول الأرز المغمورة بالمياه، الأقدام العارية التي تغوص من بقعة لأخرى ÙÙŠ أرض سوداء لامعة، الÙتيات بزيهن المدرسي يسرن ÙÙŠ مجموعات ضاØكة تبعدهن مساÙات شبه Ùاصلة عن مجموعات الÙتيان، النشاط الذي يدÙع أقدام التلاميذ يدلك على أن المدرسة ما زالت بعيدة عن البصر.
وكذلك تسمع الأنغام الهندية التي تنبعث من السيارة التي أجلس Ùيها، والقبلات التي يطبعها السائق على صنم صغير للإلهة "مات دورغا" طالبا منه السلامة ÙÙŠ الطريق والرزق ÙÙŠ آخر اليوم.
من دلهي إلى أجرا
لونلي بلانت هو الدليل السياØÙŠ الشهير الذي أمسك به، أراجع خرائطه Ùأعر٠أنني تركت Øدود نيودلهي الكبرى مغادرا إلى القسم الغربي من ولاية أوتار براديش، أكثر ولايات الهند أهمية للØضور الإسلامي والثقل الثقاÙÙŠ والمعالم الأثرية. هنا مكان من أكثر المواقع الجغراÙية ÙÙŠ الهند ازدØاما بالمسلمين. يمكنك ÙÙŠ هذه الولاية أن تسأل بأمان ودون قلق -على عكس ما يمكن أن يساورك ÙÙŠ بعض ولايات الغرب والشمال- عن مسجد للصلاة أو مسلمين للتعر٠عليهم.
لم يتبق لي للوصول إلى تاج Ù…ØÙ„ سوى ربع الساعة. عند مشار٠مدينة أجرا، لم يكن ممكنا ألا أتوق٠عند مسجد وقبر "جلال الدين أكبر" Øاكم الهند الشهير. المكان لا يمكن أن تعبر عنه الكلمات من Øيث تنسيق الØدائق، ممرات التجول، الناÙورات ÙˆØ§Ù„Ù…Ø³Ø§Ø¨Ø Ø§Ù„Ù…Ø§Ø¦ÙŠØ©ØŒ القباب والبوابات القوسية، الإتقان ÙÙŠ النØت على صخور الرخام بتÙاصيل مدهشة، تكيي٠الهواء الطبيعي داخل الغر٠وÙÙŠ الردهات وعبر الأروقة، صدى الصوت الذي يرتد إليك مرجÙا ÙÙŠ الردهات ÙˆÙÙŠ Øجرة جلال الدين.
كم هم متواضعون ملوك هذا الزمان مقارنة بما أوتي "أكبر". قبل أن أطرق الرأس متأثرا، كانت الآيات الأولى من سورة تبارك، وهي ترصع البوابة الكبرى Ù„Øجرة أكبر، تذكرني بأنه سبØان من له الدوام، وتبارك الذي بيده الملك.
لم أكن قد Ø£Ùقت بعد من تلك التأملات Øتى همس الدليل السياØÙŠ ÙÙŠ أذني بأن أدÙع Ùقط 20 روبية رسما للدخول، مستÙيدا من ملامØÙŠ الهندية، بدلا من 800 روبية التي يدÙعها السائØون الأجانب. ورغم ثقتي ÙÙŠ ملامØÙŠ الهندية، ورغم مراودة Ù†Ùسي بعد أن سألني الموظ٠الروبيات العشرين، آثرت الأمانة ودÙعت المبلغ السياØÙŠ لدخول أشهر المعالم الإسلامية ÙÙŠ آسيا.
الدخول إلى التاج
إذا كنت مثلي من أولئك الذين ÙŠÙتقدون الØس بالتÙاصيل، Ùلن تلتÙت إلى ذلك التدهور الطÙي٠على بعض جدران التاج التي تأثرت بعوامل التلوث الهوائي المنبعث من المناطق الصناعية بمدينة أجرا، وما ينتج عنها من أمطار Øمضية تØمل مذيبات تؤدي إلى تشويه الجدران والأسق٠والقباب المرمرية.
إدارة المعلم التاريخي Øظرت النشاط الصناعي ÙÙŠ دائرة نص٠قطرها 10 كيلومترات Øول الموقع، كما أنها توق٠سيارات السائØين والزوار على بعد Ù†ØÙˆ كيلومترين من التاج ولا ÙŠØ³Ù…Ø Ø¨Ø§Ù„ÙˆØµÙˆÙ„ إلى بوابة التاج إلا بسيارات كهربائية أعدتها الإدارة السياØية لمن يدÙع، وإلا Ùعليك بساقين قويتين واندÙع Ù†ØÙˆ البوابة الرئيسية.
عند البوابة الØمراء لم أستسلم لتلك القصص الليلية التي تØكى عن أن الملك شاهجهان أصدر أوامره، بعد أن Ùرغ البناءون من بناء الأثر الخالد، بقطع أيديهم وسلبهم أبصارهم ÙˆÙÙŠ مقدمتهم المهندس العبقري عيسي خان Øتى لا يبنوا لأØد غيره بناء مماثلا! أيعقل أن يسع قلب المØب مكانا Ù„Øيل الجلادين وأÙاعيل المعتقلات السياسية؟!.
المرور بالØدائق البديعة، والتأثر بدقة البناء، والاستماع إلى Ø´Ø±Ø Ø§Ù„Ù…Ø±Ø´Ø¯ÙŠÙ† السياØيين، ومراجعة الكتب السياØية، كلها لا تساوي أن تجلس عند Ø¥Øدى الزوايا الجانبية من التاج تستمتع ببرودة المرمر الأبيض وأمامك الآيات القرآنية تزين إطارات البوابات.
ÙÙŠ الأÙÙ‚ يمتد ذلك النهر الصغير المعرو٠بنهر يامونا هادئا منعطÙا Øول التاج، عبر النهر سترى على ضÙته المقابلة قلعة Øمراء ÙˆÙÙŠ ركن منها سيشير إليك العارÙون إلى سجن آل إليه مصير شاهجهان بعد أن انقلب عليه ابنه أورانكزيب واقتنص الØكم منه، ثم أكمل تراجيديا الصراع على السلطة ÙصÙÙ‰ خلاÙاته مع إخوته بطرق ليس آخرها القتل والاعتقال. لكن أورانكزيب لم يكن مرعبا إلى النهاية، Ùبعد أن توÙÙŠ شاهجهان ÙÙŠ سجنه بالقلعة أعاد جثة أبيه إلى قبر يقابل قبر زوجته ممتاز، وكلا القبرين يقعان ÙÙŠ غرÙØ© تØتية ÙÙŠ قلب التاج.
لن تمر على أسماء الØكام المسلمين للهند دون أن تلØظ، دون عناء، اØتÙاء الهندوس بـ"جلال الدين أكبر" لدرجة تصل إلى الترØÙ… عليه والدعاء له، ومقتا لـ "أورانكزيب" لدرجة تصل إلى التطاول. ودون أن ترجع إلى كتب التاريخ، أو تغرق ÙÙŠ التÙاصيل المربكة للديانة الهندوسية وعلاقتها بالØكم الإسلامي للهند، ستعر٠أن Ù…Øبتهم "لجلال الدين أكبر" تنبع من أنه كان يزاوج بين الهندوسية والإسلام ويقدر عقيدة الهندوس ويشجعهم على بناء معابدهم ويتزوج من نسائهم، بينما كان ØÙيده أورنكيزيب ÙŠÙعل العكس.
هكذا ÙŠÙعل المØبون
لا ترهق بالك بالرجوع إلى الشروØات التÙسيرية لتاريخ التاج وقصته، اترك Ù†Ùسك طليقا من مكان لآخر، ÙˆØينما تشعر بالتعب اجلس ÙÙŠ مكان ظليل وراجع تلك المعلومات السياØية التي ستخبرك أنه ÙÙŠ عام 1631 ماتت "ممتاز Ù…ØÙ„" الزوجة الثانية لإمبراطور الهند المسلم شاهجهان وهي تلد، Ùأراد الزوج أن يخلد ذكراها ببناء يضم قبرها.
بعض المعلومات التي ستراجعها ستكون مؤثرة للغاية، كتلك التي تقول إن شاهجهان قضى ليلة ÙˆÙاة زوجته ÙÙŠ ألم وتأثر Øتى اشتعل رأسه شيبا دÙعة واØدة. ورغم أن بناء التاج قد شرع Ùيه ÙÙŠ ذات العام الذي توÙيت Ùيه ممتاز Ùإن عشرين ألÙا من العمال والÙنيين تمكنوا بالكاد من إتمام البناء بعد 22 سنة كاملة.
المعلومة الطريÙØ© التي قد تÙيدك أنه إذا أردت أن تبني لزوجك بناء كهذا Ùلن يكلÙÙƒ الأمر كثيرا، Ùقط 60 مليون دولار Øسب آخر التقديرات الهندسية! وإذا لم تكن مستعدا هذه الأيام، Ùيمكنك أن تشتري نموذجا مصغرا من المرمر بسعر 50 دولارا، وهي الهدية الأكثر شهرة ÙÙŠ مئات المØال التي تØيط بالتاج. لا تÙعل مثلي وتشتري لزوجتك نموذجا صغيرا بخمسة دولارات، Ùقد تقابل تجربة سيئة بعد عودتك.
مسجد للصلاة
ÙÙŠ مكان لا يشغل بال السائØين كثيرا إلى الغرب من التاج يقع المسجد الذي بناه شاهجهان، هذه المرة من الØجر الرملي الأØمر ليصنع تباينا لونيا مع هيمنة اللون الأبيض الرمادي للتاج ومناراته الأربع، لن ÙŠÙوتك أن تصلي ركعتين ÙÙŠ المسجد أو تؤدي Ùريضة Ùيه من مطلع الشمس Øتى غروبها.
مكان الوضوء تمثله بØيرة صناعية مربعة الشكل بين قاعدة التاج والمسجد، لا تبتئس من لون مياهها الضارب إلى السواد، ÙØين تملأ راØتيك ستجدها صاÙية عذبة، قبل أن تقلق من أن يلوث وضوءك المياه ستجد تØت أقدامك قنوات صغيرة تصر٠المياه خارج البØيرة.
إمام المسجد وخادمه يقÙان ببابه يرØبان بالمسلمين للصلاة ويرشدان السائØين بخلع نعالهم. Øدثني الإمام بعربية جيدة أنه تعلم ÙÙŠ معهد إسلامي تابع لجامعة دار العلوم بشمالي دلهي، وما زال ÙŠØلم بالسÙر إلى الأزهر. لم يكن هناك من داع لسؤاله عن معاشه، Ùهندامه ينطق بالإنابة عن تواضع الØال.
الصراع على التاج
Øين ÙŠØÙ„ الغروب لا بد للجميع من الانصراÙØŒ Ùهناك مخاطر على المكان، وآخر المخاطر القلق من اعتصام جماعات هندوسية متطرÙØ© تسعى إلى الاستØواذ على المكان مدعية أن المسجد والتاج أقيما على أنقاض معبد هندوسي للإله شيÙا. ومن ثم يطالبون أتباعهم بضرورة هدم تاج Ù…ØÙ„ والبØØ« عن قواعد المعبد الكامنة أسÙÙ„ المصطبة المرمرية الكبرى التي يق٠عليها التاج.
هي Øالة يمكن أن تكرر Ø§Ù„Ù…Ø°Ø§Ø¨Ø Ø§Ù„ØªÙŠ وقعت للمسلمين على أيدي الهندوس Øينما هدموا المسجد البابري ÙÙŠ عام 1992 وما تلا ذلك من صدامات ألØقت بالمسلمين خرابا وقتلا ÙÙŠ عدة أماكن أشهرها ما سقط منهم من قتلى وجرØÙ‰ بالآلا٠ÙÙŠ ولاية جوجارات عام 2002.
القضية شديدة التشابك، Ùالسنوات الأخيرة تشهد جدلا قضائيا بين هيئة الأوقا٠السنية ÙÙŠ ولاية أوتار براديش –التي يقع بها تاج Ù…Øل– والØكومة الهندية. Øيث تطالب الهيئة باعتبار تاج Ù…ØÙ„ "وقÙا إسلاميا" لأنه ÙŠØوي مسجدا ومقابر للمسلمين، ومن ثم Ùهي تدعو إلى الإشرا٠عليه ÙˆØ§Ù„Ø³Ù…Ø§Ø Ù„Ù‡Ø§ بإقامة صلاة الجماعة Ùيه خمس مرات يوميا، وكذلك الإشرا٠على نسبة من عائدات تاج Ù…ØÙ„ للنهوض بباقي الأوقا٠الإسلامية.
الØكومة الهندية ترى ÙÙŠ التاج موروثا تاريخيا تبع منذ إنشائه للØكومة ولم يخصص للأوقا٠الإسلامية. ومن ثم Ùهو معلم Øضاري وسياØÙŠ يعرÙÙ‡ الناس ÙÙŠ العالم كرمز للØب والوÙاء بين زوجين ولا علاقة له بالأوقا٠الإسلامية. كما أن الأموال التي تدخل من عائدات زيارة السائØين للتاج هي مستØقات Øكومية للقطاع السياØÙŠ ولا نصيب للمساجد أو الأوقا٠منها.
ÙÙŠ بعض الØالات الإعلامية يصور الأمر وكأنه طمع من هيئة الأوقا٠ÙÙŠ عائدات التاج الضخمة، وأن الØكومة Ùعلت كل ما يمكن لتيسير الأمر على المسلمين لأداء صلاتهم، بل إنها –يدعي المتعصبون الهندوس- دللت المسلمين ÙÙŠ التاج Øين صدر قرار ÙÙŠ أكتوبر عام 2003 بÙØªØ Ø£Ø¨ÙˆØ§Ø¨ التاج لصلاة Ø§Ù„ØªØ±Ø§ÙˆÙŠØ ÙÙŠ شهر رمضان بين الساعة السابعة والنص٠إلى العاشرة مساء.
الجانبان يستشهدان بالوثائق التاريخية، وأهمها أثر تركه المؤرخ عبد الØميد اللاهوري ÙÙŠ تأريخه Ù„Ùترة Øكم الملك شاهجهان وخاصة الÙترة من 1628-1658 ميلادية. ورغم أن النص واØد Ùإن هناك نسختين واØدة أردية والثانية هندية، النسخة الهندية لا يوجد Ùيها تخصيص تاج Ù…ØÙ„ للأوقا٠الإسلامية، بينما النسخة الأردية يشار Ùيها إلى المسجد وإلى مبنى ملØÙ‚ به يستخدم لتدريس القرآن وعلومه. المبنى المشار إليه لتدريس القرآن وعلومه يوجد ÙÙŠ النسخة الهندية ولكنه ÙŠØمل صÙØ© "دار للضياÙØ©" وليس مركزا دينيا.
هكذا يتعرض تاج Ù…ØÙ„ لتهديدات متنوعة، لكن الثابت أنه ÙÙŠ كل يوم جمعة ÙŠØتشد الناس من تلك الأزقة الضيقة ÙÙŠ مدينة أجرا وما Øولها Ùيأتون إلى تاج Ù…ØÙ„ يصلون صلاة واØدة جامعة تنبهر لها الأبصار.
تاج Ù…ØÙ„ بهذه الØال أكبر من مزار سياØÙŠØŒ هو بؤرة كامنة للنزاع الديني ومكمن للخطر يمس المسلمين ÙÙŠ الهند سواء من قبل المتشددين الهندوس أم ممن ÙŠÙتعلون قضايا خلاÙية ÙÙŠ المناÙØ° الإعلامية تصور المسلمين وكأنهم أوشكوا على إعادة بناء إمبراطوريتهم من جديد، ولهذا Øديث آخر. |