منذ عشرين عاما لم أزر أسوان، وأتجول ÙÙŠ شوارعها النظيÙØ©ØŒ وأق٠على صخورها الرمادية، وأØجارها الجرانيتية أو النارية، التي صÙنعت منها معظم التماثيل والمسلات الÙرعونية.
منذ عشرين عاما لم أر النيل ÙŠÙيض سØرا ودلالا وعذوبة وجمالا بعد عبوره من خزان أسوان، وبوابات السد العالي.ولم أشاهد الوجوه النوبية السمراء الطيبة المنقوش عليها رموز الØضارات المتعاقبة التي مرت على تلك البقعة، وكأنها مرت بالأمس Ùقط.
نعم كانت هناك رØلة نيلية سريعة إلى مدينتي الأقصر وأسوان منذ سنوات، لم ØªØªØ Ù„ÙŠ Ùرصة مشاهدة أسوان ومعالمها وآثارها وجبالها ومتاØÙها، مثلما Øدث منذ عشرين عاما، Øيث استضاÙت شركة كيما، بعض أعضاء هيئة الÙنون والآداب والعلوم الاجتماعية بالإسكندرية، للمشاركة ÙÙŠ مهرجان أدبي وشعري، Ùذهبنا إلى هناك بقطار مزود بعربات النوم الدولية، وقطعنا المساÙØ© التي تتجاوز أل٠ومائة كيلو متر من الإسكندرية إلى أسوان Ù€ مرورا بالقاهرة Ù€ ÙÙŠ يوم ونص٠يوم تقريبا.وكانت هي المرة الأولى التي أزور Ùيها أسوان، وهناك رأيت أدباء أسوان Ù€ الذين كنت أقرأ لهم من قبل Ù€ Øجاج الباي، ومدثر سليم، ÙˆÙنجري التايه، ومØمد هاشم زقالي، والمترجم القدير سيد جاد، وغيرهم من الأدباء، وكانت Ùرصة Øقيقية لمشاهدة السد العالي بعد أن تابعنا معركة جمال عبد الناصر ومعركة مصر لبنائه، وخزان أسوان، ومعبد Ùيلة، وجزيرة النباتات، وقبر أغاخان، والمسلة الناقصة أو المسلة المطروØØ© أرضا التي لم يستطع المصريون القدماء رÙعها لضخامتها وثقلها الكبير (Øوالي 44 مترا طولا وثلاثة أمتار عرضا)ØŒ Ùتركوها ÙÙŠ مكانها الأرضي قبل أن تÙرسم عليها النقوش، أو ÙŠÙكتب عليها نص هيروغليÙÙŠ مقدس.
ولعل هناك تÙسير آخر لعدم انتصاب هذه المسلة، Ùالمصريون الذين نقلوا Øجارة الأهرام وشيدوا المعابد الضخمة، ونقلوا الكثير من المسلات المماثلة، لم يقÙوا مكتوÙÙŠ الأيدي أمام نقل هذه المسلة الأرضية، ولكني أعتقد أن الØاكم الذي أمر بصنع هذه المسلة، رØÙ„ عن الدنيا، ولم يهتم خليÙته أو من جاء بعده بأمر هذه المسلة، وتركها على Øالها قبل أن يكتمل بناؤها، أو أنه Øدثت إغارة على تلك البقعة المصرية النوبية Ù€ كما كان ÙŠØدث ÙÙŠ العادة Ù€ من قبل Ø£Øد الجيوش التي استولى قائدها على المنطقة، Ùأهمل أمر المسلة، وتركت على Øالها.وهو الأقرب إلى الاØتمال.
المهم أنني عدت لزيارة أسوان مرة ثانية مع Ø£Ùراد أسرتي، وقضينا أربعة أيام ÙÙŠ ربوعها، وتØت شمسها الشتائية الداÙئة، ووسط زØام الأجانب الذين أتوا من المشرق والمغرب، وتعرÙت ÙÙŠ مقهى شعبي على مجموعة سياØية من ألمانيا، أتوا إلى أسوان مباشرة، دون أن يمروا على القاهرة أو الأقصر، أو الإسكندرية، ÙˆÙضلوا أن يبدأوا زيارة مصر من الجنوب، وليس من الشمال.قالت لي سائØØ© منهم، أنهم يبدأون بأسوان ÙÙŠ يناير / كانون الثاني، ثم يصعدون إلى الأقصر، ثم إلى القاهرة، وبعدها يذهبون إلى الإسكندرية لزيارة مكتبتها الشهيرة.Ùكانت Ùرصة لأعطيها أرقام هواتÙÙŠ بالإسكندرية، لنلتقي ثانية على Øوض البØر المتوسط بعد أن التقينا على Øوض النيل، ÙˆÙرØت بذلك.
لم تكن هناك Ùرصة لزيارة معبد أبي سمبل الذي يبعد Øوالي 280 كيلومترا جنوبي أسوان، Ùالذهاب إليه ÙŠØتاج إلى رØلة أخرى بالطائرة، وعند مغادرتنا مطار أسوان الدولي ÙÙŠ طريق العودة إلى مطار القاهرة، شاهدت Ø£Ùواجا من السائØين الأجانب (لم يكن بينهم السائØØ© الألمانية الصديقة) يقÙون ÙÙŠ طابور أمام اللوØØ© المكتوب عليها "أبو سمبل"ØŒ ÙÙŠ انتظار Øضور موظ٠الطيران الذي يراجع أوراقهم وأوزان Øقائبهم وتذاكر سÙرهم إلى أبي سمبل.أما Ù†ØÙ† Ùقد توجهنا إلى أسÙÙ„ اللوØØ© المكتوب عليها "القاهرة"ØŒ إيذانا بانتهاء الرØلة والعودة إلى مطار القاهرة (صالة الرØلات الداخلية) ثم الإسكندرية.
ما بين الرØلة الأسوانية الأولى، والرØلة الأسوانية الأخيرة، عشرون عاما من الشوق والØب لأهل هذا البلد الطيب. لم ألاØظ تغييرا كبيرا ÙÙŠ أسوان سوى إضاÙØ© متØ٠النوبة، وملاهي "بكار لاند" Øيث استÙاد أصØابها من الشهرة المدوية للمسلسل التلÙزيوني الرمضاني "بكار" الذي تدور معظم Ø£Øداثه ÙÙŠ أسوان، وأطلقوا اسم بكار على الملاهي.
أما متØ٠النوبة Ùقد بدأت دراسات إنشائه ÙÙŠ أوائل الثمانينيات من القرن المنصرم، بواسطة لجان من المجلس الأعلى للآثار واليونسكو والخبراء المصريين بالجامعات المصرية، واÙØªØªØ Ù…Ù†Ø° سنوات قليلة، ضمن خطة "متاØ٠مصر والقرن 21" التي واÙÙ‚ عليها المجلس الأعلى للآثار بجلسته ÙÙŠ 4 ديسمبر/كانون الأول عام 1995.
أما الÙنان التشكيلي د.Ø£Øمد نوار رئيس قطاع المتاØ٠بالمجلس الأعلى للآثار Ùيقول عن متØ٠النوبة: "صمم المتØ٠على أساس تØقيق التكامل مع البيئة المØيطة، وأن يكون تكوينه المعماري متناسبا مع طبيعة المنطقة الأثرية، ومتناغما مع الموقع العام بأسلوب المستويات المتدرجة التي تتواÙÙ‚ مع الطبيعة الخاصة ذات الأرض المتعددة المناسيب، مع الأخذ ÙÙŠ الاعتبار طبيعة المناخ الخاص لمدينة أسوان ÙÙŠ معالجة الواجهات لتخÙي٠دخول الضوء الشديد والØرارة".
ولØسن الØظ أن هذا المتØ٠يقع خل٠Ùندق كلابشة الشهير الذي كنت أقيم Ùيه مع عائلتي.لذا ذهبنا إليه صباØا، Ùرأينا جموعا غÙيرة من الأجانب والمصريين، وأهل أسوان والمناطق المØيطة بها، وعرÙنا أن سعر الدخول أربعة جنيهات للمصريين، مع Ù…Ù†Ø ØªØ®Ùيض 50 % للطلبة (أي جنيهين ÙÙŠ Øالة وجود كرنيه أو بطاقة الطلبة) وخمسة وثلاثون جنيها مصريا للأجانب.Ùقررنا الذهاب إلى المتØÙ ÙÙŠ الÙترة المسائية، ظنًّا منا أن الزØام سيكون أقل ÙÙŠ تلك الÙترة، Ùوجدنا الزØام Ù†Ùسه، ÙوقÙنا ÙÙŠ طابور طويل، وعندما اقتربت من شباك التذاكر، كان ورائي بعض الأجانب، Ùأراد منظم الطابور، أن يجامل هؤلاء الأجانب، بأن يخرجوا من الطابور، ويتقدمون عليَّ (Ùهم يدÙعون أكثر من المصريين) ÙرÙضت٠هذا الأسلوب، وقلت٠لهذا الموظÙ: إن الأجانب ملتزمون بالطابور، ولم يبدوا أي امتعاض من ذلك النظام، ونØÙ† عندما نساÙر إلى الخارج نلتزم بالطابور أيضا، Ùهذا هو النظام السليم المتبع ÙÙŠ كل الدول المتØضرة، وأنت بÙعلتك تلك تسيء للنظام المعمول به ÙÙŠ بلاد الدنيا.ورÙضت٠أن يتقدمني Ø§Ù„Ø³Ø§Ø¦Ø Ø§Ù„Ø£Ø¬Ù†Ø¨ÙŠ.
لم أدر هل Ùهم Ø§Ù„Ø³Ø§Ø¦Ø Ø§Ù„Ø£Ø¬Ù†Ø¨ÙŠ كلامي الموجه للموظÙØŒ أم لا؟ ولكنه ÙÙŠ الوقت Ù†Ùسه، رÙض Ù€ بأسلوب مهذب Ù€ عرض الموظ٠أن يتقدم الواقÙين قبله ÙÙŠ الطابور، Ùما كان مني إلا أن التÙت للوراء، وشكرت هذا Ø§Ù„Ø³Ø§Ø¦Ø Ø§Ù„Ø£Ø¬Ù†Ø¨ÙŠ الملتزم بسياسة الطابور، Ùشكرني بدوره.
***
يقع متØ٠النوبة على مساØØ© تبلغ خمسين أل٠متر مربع، منها سبعة آلا٠متر مربع مقام عليها مبنى المتØÙØŒ وثلاثة وأربعون أل٠متر مربع للموقع الخارجي والعرض المكشوÙ.وخصصت نص٠المساØØ© المقام عليها مبني المتØÙØŒ لقاعات العرض المتØÙÙŠ الداخلي، والنص٠الآخر للمخازن والترميم، وإدارة البØوث، وأماكن الإدارة، والخدمات العامة.
ولعلنا نتساءل عن معنى كلمة "النوبة"ØŸ وهناك الكثير من التÙاسير لهذه الكلمة التي تطلق على المنطقة الممتدة بين أسوان شمالا Øتى مدينة الدبة قرب الجندل الرابع جنوبا، وهي بذلك تعد بمثابة Øلقة الوصل بين شمال الوادي وجنوبه ÙÙŠ مصر، وشمال السودان.ويعتقد البعض أن اسمها مشتق من الكلمة المصرية القديمة "نبو" أي الذهب، ÙˆÙÙŠ هذا التÙسير إشارة إلى مناجم الذهب التي اشتهرت بها المنطقة قديما.
وتنقسم هذه المنطقة إلى: وادي النيل والصØارى، وظهرت إلى الوجود ÙÙŠ عصور ما قبل التاريخ، وتشير الكشو٠الأثرية الØديثة إلى مدى الارتباط الØضاري الذي جمع سكان وادي النيل، جنوبه وشماله خلال الØقب الزمنية المديدة التي تعر٠باسم العصر الØجري القديم، Øيث تنقلت بين جنباته جماعات اعتمدت ÙÙŠ عيشها على صيد الأسماك وصيد الØيوانات البرية مثل: الغزلان والظباء والÙيلة والزرا٠وغيرها.
أما ÙÙŠ العصر الÙرعوني، Ùقد التØمت النوبة مع عصر بداية الأسرات خلال السنوات (3100 Ù€ 2700 Ù‚.Ù…) وعصر الدولة القديمة (2700 Ù€ 2200 Ù‚.Ù…) وما تلاها من عصور، وخاصة عصر الدولة الØديثة (1550 Ù€ 1070 Ù‚.Ù…) والعصر الكوشي (780 Ù€ 593 Ù‚.Ù…).كما مرت النوبة بالعصر المروي (593 Ù‚.Ù… Ù€ 350 Ù…) Øيث كانت مروى Ù€ التي تقع على الضÙØ© الشرقية للنيل بين الجندلين الخامس والسادس ÙÙŠ المنطقة التي تعر٠Øاليا باسم بوتانا Ù€ عاصمة تلك المملكة.
وقد امتد Ù†Ùوذ البطالمة الذين Øكموا مصر بعد دخول الإسكندر الأكبر، وبعد ÙˆÙاته ÙÙŠ بابل عام 323 Ù‚.Ù… إلى جنوب البلاد وبسطوا Ù†Ùوذهم على النوبة، والØال Ù†Ùسه بالنسبة للرومان بعد أن تØولت مصر إلى ولاية رومانية بعد هزيمة كليوباترا السابعة ÙÙŠ موقعة أكتيوم البØرية عام 30 Ù‚.Ù… على يد أوكتاÙيوس أغسطس.
أيضا دخلت النوبة ÙÙŠ الديانة المسيØية، بعد أن انتشرت ÙÙŠ مصر وأصبØت الديانة الرسمية عام 380 Ù…ØŒ Ùأغلقت معابد الآلهة ÙÙŠ مصر والنوبة، بما ÙÙŠ ذلك معبد إيزيس ÙÙŠ Ùيلة. وعندما دخل الإسلام مصر عام 641 Ù… تØولت النوبة أيضا إلى الديانة الإسلامية، واعتنق كثير من النوبيين الدين الإسلامي.
أما النوبة ÙÙŠ العصر الØديث Ùيبدأ تاريخها مع غزو العثمانيين لمصر عام 1517 Ù…ØŒ ووصل جنود من البوسنة إلى النوبة، واستقر بعضهم بها، وتزوجوا من نوبيات وتناسلوا، لذا نلاØظ Ø£Øيانا وجود نوبيين يتميزون ببشرتهم البيضاء من سلالة هؤلاء البوسنيين.
وعندما تولى Ù…Øمد علي Øكم مصر اهتم بالنوبة، وتطلع إلى ÙØªØ Ø§Ù„Ø³ÙˆØ¯Ø§Ù†ØŒ وجند النوبيين والسودانيين ÙÙŠ الجيش المصري النظامي.بعد ذلك اهتمت الØكومات المتعاقبة ببناء خزان أسوان وتعليته أكثر من مرة، الأمر الذي Ø£Ùزع الكثيرين من علماء الآثار المصرية، Ùأرسلت Øملات لتسجيل الآثار والبØØ« عنها ÙÙŠ كل المواقع المهددة بالغرق، ثم جاء بناء السد العالي على بعد Øوالي سبعة كيلو مترات جنوب سد أسوان، Ùقادت منظمة اليونسكو Øملة دولية ÙÙŠ 8 مارس/آذار عام 1960 لإنقاذ آثار النوبة واستجابت الهيئات الدولية لتلك الØملة، وتم إنقاذ معبدي Ùيلة وأبو سمبل وبقية معابد النوبة، بنقلهاBack
to main page |