الØياة 19/07/2004
برلين - انطون الخوري
عندما يسمع الزائر عبارة "قلب ألمانيا الأخضر" يعتقد بأن المنطقة المقصودة هي مقاطعة باÙاريا ÙÙŠ الجنوب أو سكسونيا ÙÙŠ الشمال، لكن قلة تعر٠إن هذا اللقب ارتبط لأجيال عدة بمقاطعة تورينغن Thuringen ÙÙŠ وسط ما كان يعر٠سابقاً بألمانيا الشرقية.
هذه المقاطعة الجبلية المكسوة بالمروج والغابات الكثيÙØ© من الشربين والسرو والأرز الأوروبي والأنهار بدأت تÙرض Ù†Ùسها على الخريطة السياØية المتغيرة ÙÙŠ ألمانيا الموØدة، وتتØرك بخطى بطيئة لكن واثقة Ù†ØÙˆ السياØØ© المتطورة.
ثلاث ساعات ÙÙŠ القطار تÙصل صخب برلين عن هدوء هذه المنطقة الجبلية الØالمة. بعد عبور مدينة لايبزغ تنتهي المروج الخضر لترتÙع التضاريس إلى هضاب ثم جبال شاهقة يجوب الضباب أوديتها Øتى ÙÙŠ عز ساعات النهار. القرى بمجملها صغيرة الØجم، تتسم بمبانيها القديمة ذات السقو٠السوداء أو الØمراء الداكنة وطرقاتها الضيقة المتعرجة المليئة برقع الزÙت والØÙر. وهنا لا بد أن تتذكر أنك ÙÙŠ قلب الري٠ÙÙŠ ألمانيا الشرقية الشيوعية السابقة التي رسم الÙقر وقلة موارد الدولة Ø£Øد أهم ملامØها لأكثر من أربعين عاماً. ويبدو إن الØكومتين المØلية والÙيديرالية تعملان على تطوير البنى التØتية ÙÙŠ تورينغن وتعزيزها من خلال تØديث الطرقات وشبكات توزيع الكهرباء. لكن الأمر لا يزعج الزائر ÙˆÙŠÙ…Ù†Ø Ù‡Ø°Ù‡ الجبال والأودية صÙØ© الانتماء إلى Øقبة زمنية مختلÙØ© لم تلØÙ‚ بعد بركاب السرعة الاستهلاكية والتسرع ÙÙŠ نمو المشاريع السياØية.
زوار مقاطعة تورينغن الجبلية كانوا من السكان المØليين والمدن المجاورة أيام الشيوعية، جاؤوها بأعداد كانت ضئيلة نسبياً. اليوم، يأتيها Ø§Ù„Ø³ÙŠØ§Ø Ù…Ù† مختل٠أرجاء ألمانيا وهولندا وبلجيكا ... وبعضهم من الأميركيين ممن تعود جذورهم إلى المنطقة.
تنتعش ÙÙŠ هذه الجبال الشاهقة سياØØ© النقاهة والاستشÙاء. Ùالهواء العليل والمياه العذبة والأكل الطبيعي عناصر مهمة تساهم ÙÙŠ Ùترة الاسترخاء والنقاهة لأي شخص عليل أو من يريد الهدوء التام. أما سياØØ© "المشي" أو رØلات السير على الأقدام والتخييم ÙÙŠ الهواء الطلق Ùبدأت تكتسب أهمية كبيرة لأنها تعيد الزوار إلى المنطقة بالآلاÙ. عشرات الطرق المتعرجة شقتها الأقدام بين الغابات ÙˆÙÙŠ بطون الأودية تلتقي ثم تÙترق ÙÙŠ نقاط كثيرة. بعض أشجار الشربين والسرو هنا ترتÙع إلى أربعين متراً. أما مناظر الأودية والسواقي المتعرجة والمنØدرات الخطرة ÙتØبس الأنÙاس. وما يلÙت النظر هنا وجود الإشارات والأسهم الخشبية على Ù…Ùترق الطرقات، Øتى ÙÙŠ قلب الغابات، تدلك على الوجهة المقبلة وطولها بالكيلومترات. التØدي الكبير بالنسبة إلى Ù…Øبي السير وتسلق الجبال يبقى صعباً للغاية وهو الوصول إلى أعلى قمة ÙÙŠ تورينغن وهي "غروسه بيربيرغ" أو قمة التوت.
خلال الشتاء، تØوّل الثلوج المنهمرة بغزارة هذه الطرق إلى ممرات للتزلج البطيء.
صØÙŠØ Ø¥Ù† أعداد Ø§Ù„Ø³ÙŠØ§Ø ØªÙ†Ø®Ùض بشكل Øاد لكن العواص٠لا تمنع Ù…Øبي العيش ÙÙŠ الهواء الطلق من التنزه وتنشق الهواء البارد متØدين عوامل الطبيعة القاسية.
وتشكل المتاØ٠المنتشرة ÙÙŠ مدن وبلدات المقاطعة عامل جذب آخر، كما إن بعض الكنائس والمعابد ذات الهندسة القوطية تمتلئ خلال الصي٠والعطلات بمØبي Ùنون الهندسة المعمارية والمباني القديمة. وأبرز هذه المتاØ٠المعهد التعليمي ÙÙŠ مدينة "ايزن آخ" Øيث تعلم ابن تورينغن البار المؤل٠الموسيقي الكلاسيكي يوهان سيبستيان باخ . كما أن جناØاً آخر ÙÙŠ المتØÙ Ø®ÙصÙصَ Ù„Ù„Ù…ØµÙ„Ø Ø§Ù„Ø¯ÙŠÙ†ÙŠ والاجتماعي مارتن لوثر الذي درس ÙÙŠ المنطقة، إضاÙØ© إلى عروض من كتابات وأوراق الÙيلسو٠يوهان ولÙغانغ غوته goethe الذي قيل إنه أنجز كتابة اØد أهم مؤلÙاته "Ùاوست" ÙÙŠ هذه المنطقة.
اهتمامات أخرى تجذب الزائر ومنها رØلات Ù…Ùنَظمَة للتنقيب على الذهب على ضÙا٠السواقي غير العميقة، ورØلات إلى كهو٠ومغائر Ù†Øتتها الطبيعة على مدى مئات آلا٠السنين ومنها مغارة "سال Ùيلدر" التي تشبه بصواعدها وهوابطها ونهرها البارد مغارة جعيتا ÙÙŠ لبنان.
المØليون يطلقون اسم الذهب الأبيض على واØدة من أهم صناعاتهم الØرÙية التقليدية وهي صناعة الخز٠الصيني التي بدأت ÙÙŠ القرون الوسطى واستمرت تقريباً على أنماطها التقليدية من دون أي تغيير كبير Øتى أيامنا هذه. متØ٠الزجاج والخز٠ÙÙŠ مدينة لاوشا Lauscha يعرض عشرات القطع الÙنية التقليدية التاريخية والØديثة ويÙتخر بأن المنطقة نالت منذ خمس سنوات جائزة Ø£Ùضل زجاج أوروبي متغلبة بذلك على منتجات جزيرة بورانو الإيطالية الشهيرة. وتتشابه معروضات Ù…Øلات بيع الزجاج ÙÙŠ قلب لاوشا لكنها إن دلت على شيء Ùهي تدل على تعلق أبناء المنطقة بتقاليدهم المتوارثة.
الÙنادق ÙÙŠ ري٠تورينغن بمجملها صغيرة جداً ويبدو إنها كانت بيوتاً عادية تقليدية. الÙنادق الأكبر Øجماً كانت مدارس أو قلاعاً Øوّلها الطلب إلى Ùنادق شبه معزولة تتميز بالهدوء التام. لكن Ùنادق المدن الرئيسية اكبر ÙˆÙيها لمسات Ùخمة ومقومات الÙنادق الØديثة، من دون أن تتشابه مع مجموعات الÙنادق العالمية المعروÙØ© التي تكاد تنعدم ÙÙŠ هذه المنطقة. وهذه إشارة واضØØ© إلى إن المنطقة ربما لا تزال تعيش ÙÙŠ عقلية الشيوعية الراÙضة لمبدأ سيطرة الشركات الكبرى، وهذا ينعكس بدوره على ندرة مطاعم الوجبات السريعة المنتشرة بكثرة ÙÙŠ المدن الألمانية الكبرى.
وتعرض تورينغن على زوارها كل ما تعرضه سويسرا أو النمسا لكن بتكالي٠اقل وبزخم غير تجاري (على الأقل هذا ما يظهر للعيان)ØŒ وبأقل كم من الضجيج )لولا عبور القطارات والسيارات بين الÙينة والأخرى).
لكن يبدو إن المقاطعة الجبلية الهادئة تستيقظ على Øقيقة إن العالم لم يعد وادعاً أميناً قليل الموارد Ù„Øد الÙقر، كما عرÙته خلال الØقبة الشيوعية. وتشتد المخاو٠بين المØليين من إن المعركة المقبلة ستكون بين الشركات الكبرى التي بدأت تشتم رائØØ© Ø§Ù„Ø±Ø¨Ø Ø§Ù„Ù…Ø§Ø¯ÙŠ ÙÙŠ المنطقة وبين أهالي تورينغن ورابطات الدÙاع عن البيئة التي بدأت تتذمر بالÙعل من بعض المشاريع التنموية ومشاريع البنى التØتية بØجة إنها بدأت تقضم مساØات كبيرة من الغابات وتقضي على طريقة Øياة أهل الري٠المتوارثة منذ مئات السنين.
وتق٠تورينغن على بوابة الانÙØªØ§Ø Ø§Ù„Ø£ÙˆØ±ÙˆØ¨ÙŠ كما تق٠دول أوروبا الشرقية السابقة التي انضمت إلى عضوية الاتØاد... وربما Ø£ØµØ¨Ø Ø¹Ù„ÙŠÙ‡Ø§ أن تختار: إما أن تسير مع ركب القرن الأوروبي وتنÙØªØ Ø¹Ù„Ù‰ بقية دول الاتØاد بشكل اكبر، وإما أن تقبع ÙÙŠ ظلال غوته وباخ وأشجار الشربين العملاقة لتبقى واØØ© هادئة وادعة يطوقها عالم لا يعتر٠إلا بالسرعة الجنونية واختصار المساÙات الÙوري. |