مدريد - د. كاظم شمهود طاهر
تعتبر مقاطعة كاتالونيا من أكثر المناطق الأسبانية سياØØ© وغنى سواء كان ذلك ÙÙŠ شواطئها الساØرة أو عمارتها التي تتنÙس تاريخها العريق ÙˆØاضرها الجميل.
ويعد أنتونيو غاودي واØدا من أبرز رواد الØركة الكلاسيكية الØديثة، كما يعتبر أيضا من أبرز المعماريين العالميين ÙÙŠ القرنين التاسع عشر وبداية القرن العشرين. أخذ النقاد، وابتداء من الخمسينات، يضعون عمارته مؤشرا على مرØلة مهمة لتطور العمارة الØديثة ÙÙŠ أوربا. غاودي Ùنان ومعماري من كاتالونيا. درس الÙÙ† الإسلامي، خاصة العمارة الأندلسية وعمارة المدجنين (المسلمين الذين بقوا ÙÙŠ أسبانيا بعد خروج العرب منها)ØŒ كما اطلع على بعض الكتب التي تØتوي على رسوم وتصاميم طراز العمارة القديمة. لهذا Ùإن المØللين لأعمال غاودي يذكرون بأن العمارة الإسلامية والغوطية والباروكية هي الأساس ÙÙŠ وجود عمارته، Øيث استلهم منها Ø£Ùكاره وخيالاته وتصاميمه. وتمثلت هذه التأثيرات بشكل ÙˆØ§Ø¶Ø ÙÙŠ ثلاثة أعمال: بلاط غوي، والنزوة، وبهو دي لا Ùينكا غوي.
إن Øضور أعمال غاودي العمرانية ÙÙŠ برشلونة، وتأثيراته على ما بعده من المعماريين، قد Øول المدينة إلى متØ٠تاريخي Ùني، Ùأخذت تستقطب ملايين Ø§Ù„Ø³ÙŠØ§Ø Ø³Ù†ÙˆÙŠØ§ØŒ Øيث نجد عمارته وتأثيراتها شاخصة ÙÙŠ كل زاوية وشارع وشرÙØ© وناÙذة ÙˆØتى مداخن البيوت.
ومن الأعمال الخالدة لهذا الÙنان هي كنيسة العائلة المقدسة الواقعة ÙÙŠ برشلونة، وكان هذا العمل الأسطوري هو عصارة تجربة وعبقرية غاودي. ورغم أن المشروع قد بدأ سنة 1883 إلا أن العمل لازال جاريا،Øيث نشاهد ÙÙŠ هذا المعبد ثراء الطراز الغوطي الجميل وكذلك مع بعض العناصر المعمارية من طراز المدجنين. وقد زرت هذا المعبد والتقطت عددا من الصور الجميلة لواجهاته ومداخله ومخارجه، كما شاهدت Ø¢Ù„Ø§Ù Ø§Ù„Ø³ÙŠØ§Ø Ù…Ù† Ù…Øبي الÙÙ† والعمارة والتراث ÙÙŠ هذا المكان.
ومن الأعمال العمرانية الأخرى لغاودي هو الكابريجو (1883) Øيث نشاهد التاثيرات المعمارية الإسلامية واضØØ© Ùيه، وهي متمثلة بالمنارة القائمة على المدخل والتي تشبه المنائر المشرقية وتمتاز بشكلها الأسطواني والخوذة والشرÙØ© المزخرÙØ© بالمقرنصات. والمنارة مزينة بقطع مربعة من السيراميك ÙˆÙيها رسم وردة عباد الشمس. وتتكرر هذه الزخرÙØ© ÙÙŠ كل أطرا٠العمارة. ويلاØظ أن غاودي قد جمع ÙÙŠ هذه العمارة عدة أساليب من تأثيرات الØضارة المشرقية والغربية من جهه والØداثة والكلاسيكية والتجريد والواقعية من جهة أخرى. وقد Ù†Ø¬Ø Ù†Ø¬Ø§Øا كبيرا ÙÙŠ التعامل مع هذه الأساليب وصهرها ÙÙŠ عمارة واØدة.
وأخذ غاودي شكل نهاية المنائر واستخدمها ÙÙŠ رؤوس المداخن وزين بها Ø³Ø·ÙˆØ Ø§Ù„Ù…Ù†Ø§Ø²Ù„ كما هو ظاهر ÙÙŠ بهو ومنزل غوي ÙÙŠ برشلونة، ونجد Ùيها استخدام الآجر الأØمر والسيراميك والأقواس المتراكبة وكلها من خصائص طراز المدجنين.
ومن العمارات الأخرى لغاودي هي منزل بيثينس ÙÙŠ برشلونة، Øيث نرى مادة السيراميك تغطي جميع جدران المنزل Øتى السياج كما لو أنه كان قد لبس ثوبا إسلاميا مزخرÙا بالأشكال النباتية والهندسية وبألوان براقة جميلة. ومعرو٠أن السيراميك مادة قديمة قد استخدمها البابليون ÙÙŠ باب عشتار والقصور الآشورية وغيرها، ثم نقلها المسلمون إلى أسبانيا، واستخدمها المدجنون ÙÙŠ عماراتهم ÙÙŠ جميع أنØاء أسبانيا كما هو ماثل ÙÙŠ عمارات مدينة ترويل، خاصة ÙÙŠ معابدها وقصورها وشوارعها ومراÙقها الØيوية الأخرى. والزائر لهذه المدينة اليوم يشاهد ÙÙŠ مدخلها قطعة كبيرة مكتوب عليها "ترويل المدجنين".
ونعود الآن إلى منزل بيثينس لغاودي Øيث نرى المقرنصات والأقواس المتنوعة الأشكال والزخار٠النباتية والهندسية كما لو أننا نشاهد قصر الØمراء ÙÙŠ غرناطة. وقد اشترك غاودي مع الÙنان المسلم الأندلسي ÙÙŠ مسألة مهمة وهي أنهما لم يتركا مساØØ© ÙÙŠ العمارة إلا وغطياها، وهو ما يعبر عنه عند المؤرخين العرب بـ"كراهية الÙراغ". ولكن غاودي كان يتعامل مع العناصر الزخرÙية النباتية والهندسية بأسلوب واقعي بينما نجد الÙنان المسلم قد تعامل مع هذه العناصر بأسلوب تجريدي.
وكان غاودي أكثر انجذابا إلى عمارة المدجنين التي بدأت بالانتشار ÙÙŠ القرن الثاني عشر ÙÙŠ أسبانيا واستمرت إلى القرن التاسع عشر، بل أن بعض عمارات القرن العشرين Ù†Ùذت بالأسلوب المدجني كما هو ÙˆØ§Ø¶Ø ÙÙŠ عمارة مصارعة الثيران ÙÙŠ بينتاس ÙÙŠ مدريد.
وقد اعتبر هذا الطراز ضمن التراث القومي الأسباني الأصيل والذي لعب دورا مهما ÙÙŠ ØÙ„ أزمة العمارة التي اجتاØت أوربا ÙÙŠ ذلك الوقت. ورغم هذه التأثيرات الإسلامية Ùإن غاودي له عقلية كبيرة ÙÙŠ الإبداع والخيال، وله أسلوبه المميز ÙÙŠ العمارة الØديثة، Ùقد طور أقواس Øدوة الØصان وجعلها أكثر انغلاقا كما هو ÙˆØ§Ø¶Ø ÙÙŠ مقهى تورينو ÙÙŠ برشلونة. وكذلك اهتم بالÙضاء الداخلي للمنزل كما ÙÙŠ Ùيلا غوي وهي من تأثيرات المنزل الأندلسي ذي الصØÙ† الداخلي وناÙورة المياه. واستخدم غاودي أيضا الألوان القوية البراقة، وهو ما نجده ÙÙŠ الÙÙ† الإسلامي ÙˆÙÙŠ المنمنمات والمساجد وغيرها. واستخدم أيضا الخط العربي كعنصر زخرÙÙŠ والنجمة المثمنة وهو ما نراه ÙÙŠ منزل Ùغويرا ÙÙŠ برشلونة. كما تأثر بزخار٠البسط والسجاد الإسلامي والنتوءات التي تظهر ÙÙŠ شرÙات المساجد وغيرها.
ÙˆÙÙŠ سنة 1859 ألقيت Ù…Øاضرة ÙÙŠ أكاديمية الÙنون الجميلة "سان Ùرناندو" ÙÙŠ مدريد من قبل السيد خوسيه أماديو ريوس وكان عنوان المØاضرة "طراز المدجنين ÙÙŠ العمارة"ØŒ اعتبر Ùيها طراز المدجنين Ø£Øد رواÙد الÙÙ† والثقاÙØ© المهمة ÙÙŠ ذلك الوقت وأطلق عليه اسم "طراز المدجنين الØديث". وهذا الطراز عبارة عن خليط من الÙÙ† الإسلامي وعناصر معمارية Øديثة، مع بعض التقاليد الÙنية المسيØية، ولكن نرى Ùيه الطابع الإسلامي هو الطاغي على الجميع، وأقرب مثال على ذلك هو ساØØ© مصارعة الثيران ÙÙŠ مدريد ÙˆÙندق لاريدو ÙÙŠ مدينة الكلا هينارس.
ولم يكن غاودي هو المعماري الوØيد الذي تأثر بالÙÙ† الإسلامي وإنما هناك معماريون آخرون من كاتالونيا أيضا تأثروا بهذا الÙÙ† مثل خوسيب بويغ الذي صمم عمارة أماتيير. ويلاØظ ÙÙŠ واجهتها نواÙØ° تعلوها أقواس متنوعة الأشكال، كما نشاهد الواجهة على شكل هرمي ذي خط منكسر يشبه إلى Øد ما النتوءات القائمة على شرÙات الأسوار أو المنائر المغربية والأندلسية وهي مزينة بقطع السيراميك الملون الجميل.
وقبل عامين اØتÙلت كاتالونيا وأسبانيا بمرور 150 عاما على ولادة غاودي هذا المعماري العالمي العبقري وصدرت عدة كتب عن Øياته وأعماله كما أقيمت Ù…Øاضرات ومعارض Ùنية عن رسومه وتصاميمه بالإضاÙØ© إلى عرض الأÙلام الوثائقية، وسميت تلك السنة "السنة العالمية لغاودي". |