مدريد- د. كاظم شمهود طاهر
لا يوجد ركن أو زاوية واØدة من بلاد الأندلس إلا وله Øكاية للتاريخ الذي أثرى هذه المنطقة وأغناها بالثقاÙØ© والعلوم والأدب والÙÙ†. وعند التجول ÙÙŠ هذه الديار تطالعنا الأسماء العربية هنا وهناك مثل أسماء المدن والأنهار والقلاع والشوارع والجسور وغيرها Øتى أسماء وألقاب بعض العوائل الأندلسية.
ومن المدن الأندلسية التي استوقÙتني كثيراً هي مدينة صغيرة تقع شمال غرب مدريد على بعد Øوالي 20 كم تدعى الØÙ„Ùاية (الØÙ„Ùاء) وقد نقلني هذا الاسم مباشرة إلى العراق وبالذات إلى الجنوب Øيث هناك مدينة ÙÙŠ Ù…ØاÙظة العمارة تسمى الØÙ„Ùاية وهناك رواية للأستاذ مالك المطلبي تسمى "الØÙ„Ùاية". كل هذا جعلني أستØضر التاريخ والتÙكير بذلك الإنسان العربي الذي نقل تراثه من المشرق إلى المغرب والتØكم برؤية Øضارية ÙÙŠ ثراء تلك البقعة التي أصبØت Ùيما بعد مناراً Øضارياً لأوربا المظلمة يومذاك.
ولكن يا ترى كي٠انتقلت هذه الأسماء إلى الغرب وما هي القواسم المشتركة بين هذه العناصر الثلاثة المذكورة سابقاً؟
ليس غريباً أن تنتقل أسماء المدن من بلد إلى آخر لأن تاريخ الأمم القديمة قد رصد لنا تلك الظاهرة الØضارية، Ùقد أسس الÙينيقيون مدينة على سواØÙ„ أسبانيا الشرقية وسموها قرطاجنة على غرار اسم مدينة قرطاجنة القديمة ÙÙŠ تونس، كما أسس الأسبان مدناً ÙÙŠ أمريكا الوسطى والجنوبية وأطلقوا عليها أسماء المدن الأندلسية مثل قرطبة ÙÙŠ الأرجنتين ووادي الØجارة ÙÙŠ المكسيك وهكذا.
إن مدينة الØÙ„Ùاية أو الØÙ„Ùاء هي ÙÙŠ البداية كانت قلعة عسكرية Øصينة أسسها العرب تقع ضمن الخط الدÙاعي الممتد ÙÙŠ المنطقة الوسطى من بلاد الأندلس. ويذكر ابن Øزم بأن عبد الرØمن الثالث قام بØملات عسكرية ضد النصارى سنة 939Ù… وقد اتجه Ù†ØÙˆ الØÙ„Ùاية ÙˆØصنها وزودها بالمعدات اللازمة للدÙاع والمراقبة. ÙˆÙÙŠ سنة 1270Ù… خلت هذه المدينة من سكانها وبدأت الهجرة إلى المناطق المجاورة لها لأسباب كثيرة منها، كما يذكر بعض المؤرخين، هو الضرائب الثقيلة التي Ùرضتها الكنيسة على الÙلاØين والØرÙيين والذي أدى إلى التÙكير بالهجرة إلى مكان آخر أكثر أماناً وضماناً للعيش.
ولا زالت توجد بعض آثار هذه المدينة القديمة Øيث تقع على مساØØ© مرتÙعة بين واديين عميقين Ø£Øدهما ÙŠØدها من الشمال والآخر من الجنوب ونهر وادي الرمل من الشرق. ولا زالت تÙرى صهاريج المياه وبعض الأØجار للسور القديم. وعند المرور على هذه الأرض والتأمل قليلاً، لم يصدق Ø£Øد أنها كانت ÙÙŠ يوم من الأيام معقلاً إسلامياً وسوراً وأبراجاً ÙˆØركة اجتماعية ودوراً سكنية، واليوم نجد Ùيها منزلاً لأØد الÙلاØين وقد Øولها إلى أرض زراعية، كما يكثر Ùيها الصيد وتربية المواشي، وأيضاً منطقة عشب أخضر.
وتقع قلعة الØÙ„Ùاء قرب نهر وادي الرمل وهو الاسم الذي لا زال يطلق على نهر يقع غرب مدريد ويصب ÙÙŠ نهر التاجه، وتقع عليه أيضاً قلعتان هما: ولموش وقنالش، وتعتبر هذه القلاع الثلاث الخط الدÙاعي الأول Ù„Øماية طليطلة.
وقلعة الØÙ„Ùاية أو الØÙ„Ùاء اليوم تسمى بيابيثيوسا دي ودون ولم يظهر اسمها ÙÙŠ الخرائط الØديثة لمØاÙظة مدريد إلا ÙÙŠ التخطيطات القديمة وهو ما يؤس٠له. وقد ذهبت لزيارتها وسألت بلدية المدينة الØديثة وكذلك الناس الساكنين Ùيها Ùلم يعر٠أØد عنها إلا القليل. وقد قضيت ساعات ÙÙŠ البØØ« عنها وأنا أعلم ومتأكد من وجودها ÙÙŠ المنطقة Øسب ما تذكره الكتب التاريخية وكذلك الخرائط الجغراÙية، وأخيراً عثرت على أرض مسطØØ© زراعية Ùقيل لي هذه هي المدينة القديمة.
وتØتاج هذه المنطقة التاريخية إلى الاهتمام والتنقيب والدراسة وإظهارها إلى النور من قبل المسؤولين والمعنيين بالآثار الوطنية، وتØتاج أيضا إلى دليل ومرشد سياØÙŠ Øتى يسهل الوصول إليها.
إن التجول وزيارة هذه المناطق الساØرة الجميلة والكتابة عنها هو بمثابة قطع الطريق على الذين ÙŠØاولون الالتÙا٠على التاريخ ولي ذراعه علّه ÙŠØتمل وقائع جديدة ليست ÙÙŠ التاريخ أصلاً، Øيث نجد ÙÙŠ الكثير من الكتب الغربية اتجاهاً واضØاً لاغتصاب Øضارة الشعوب الأخرى، خاصةً الاندلسين الذين كان لهم دور كبير ÙÙŠ كثير من الاكتشاÙات العلمية والأدبية والÙنية، وكذلك اكتشا٠العالم الجديد، وتذكر بعض المصادر وصول الاندلسين إلى ذلك العالم قبل كولمبوس بقرون.
أما ØÙ„Ùاية العراق Ùمن المعرو٠أنها مدينة صغيرة تقع ÙÙŠ Ù…ØاÙظة العمارة. أهلها يشتغلون بالزراعة والصيد وتربية المواشي. وتØتÙظ هذه المدينة، كما هو الØال ÙÙŠ مدن المناطق الجنوبية، بتقاليدها وعاداتها العربية والإسلامية وكذلك السومرية القديمة.
ولما جÙÙت هذه المناطق من مياهها بÙعل النظام السابق، تØدثت وسائل الإعلام العالمية عن دور هذه المناطق ÙÙŠ نشأة الØضارة الإنسانية. وأتذكر يومها كانت مديرة المتØ٠الأسباني تتØدث ÙÙŠ الراديو عن الØضارة السومرية Ùقالت إن Øياة وتقاليد أهل الجنوب العراقي هي صورة منسوخة عن عادات وتقاليد الأقوام السومرية والبابلية القديمة والذي يريد دراسة تلك الØضارات القديمة Ùما عليه إلا أن يشد الرØال إلى المناطق الجنوبية من العراق.
إن المتأمل ÙÙŠ ثقاÙØ© أهل الجنوب ÙˆØياتهم الاجتماعية يجد هناك عناصر مشتركة بينهم وبين ثقاÙØ© أهل سومر مثلاً: إن "الطرّادة"ØŒ كما يسميها أهل الجنوب، وهي مركب نهري يستخدم كوسيلة للنقل ÙÙŠ الأهوار هي Ù†Ùسها كانت عند السومرين، والبيت المبني من البردي والقصب خاصة "المضيÙ" لا زال هو البناء المعماري المÙضل عند أهل الجنوب كما كان عند أهل سومر. أما الشيء الأكثر إثارة للاستغراب والذي يدل على أصالة أهل الجنوب Ùهو الملابس التي لا زال بعضهم يرتدونها وهي شبيهة بما كان يرتديها أهل سومر وبابل مثل العمامة والصاية أو الزبون.
وأما الØÙ„Ùاية الثالثة وهي رواية للأستاذ والكاتب الأديب مالك المطلبي وهو صديق قديم وعزيز وكان رئيس تØرير "مجلتي" Ùˆ"المزمار" وكنت يومذاك رساماً Ùيهما، ولم أطلع على هذه الرواية بسبب وجودي ÙÙŠ الخارج والانÙصال والانقطاع الذي Øدث بين مثقÙÙŠ الخارج والداخل بسبب النظام السابق. وقد ذكر لي Ø£Øد الأدباء بأن الرواية كانت من أروع ما كتبه مالك المطلبي وهي تمثل Ù…Øاولة الكش٠عن معنى الØياة الريÙية من خلال التقاليد والعادات الموروثة والتي تضرب بعمق التاريخ، وتعكس تلك الØياة الاجتماعية بمعناها البسيط وغير المعقد، والعلاقات الإنسانية التي تبØØ« بكل وسيلة عن الوØدة والتآل٠والتضامن بين الأÙراد وعشائرهم، ÙالÙÙ„Ø§Ø Ø¹Ø§Ù„Ù… بأرضه ومائه وسمائه وكذلك ÙÙŠ ØÙ„ مشاكل عشيرته، وهذه الصÙات قد لا تجدها عند المثق٠صاØب الشهادة العليا.
وعند زيارتي لبغداد التقيت بمجموعة من المثقÙين العراقيين ومنهم المطلبي ÙÙŠ مقهى الشابندر ÙÙŠ شارع المتنبي، وقد أصبØت هذه المقهى اليوم ملتقى الأدباء والÙنانين العراقيين، وهي تذكرني بمقهى ÙÙŠ مدريد تسمى "خيخون" Øيث كان يلتقي Ùيها أبرز أدباء أسبانيا مثل الشاعر راÙائيل ألبرتي والشاعر والكاتب الروائي المعرو٠أنتونيو غالا وغيرهم. وقد وجدت المثق٠العراقي لا زال Øياً يكتب وكأنه يرÙع شعار ذلك الكاتب الغربي "الكتابة ÙƒÙاØÙŠ من أجل البقاء" رغم ما مر عليه من ظرو٠قاسية. وقد Ù„Ùتت نظري ظاهرة ثقاÙية غريبة ÙÙŠ ذلك الشارع المعرو٠بتاريخه الثقاÙÙŠ القديم، وهي بمثابة معرض للكتاب، Øيث إن كل جمعة يمتلئ هذا الشارع والشوارع المØيطة به ببائعي الكتب على مختل٠أنواعها واتجاهاتها، من اليمين إلى اليسار ومن الشرق إلى الغرب. والواقع أن هذه ظاهرة صØية لم يشهدها تاريخ العراق كله، Ùهي تثلج القلوب وتسر النÙوس وتبشر بمستقبل كريم.
إذن الØÙ„Ùاية أو الØÙ„Ùاء هي جزء من هذا التراث الØضاري الإنساني العظيم، وإن إطلاق اسمها على Ø£Øد المدن الأندلسية سواء عن قصد أو صدÙØ© أو غير ذلك هو ÙÙŠ الواقع امتداد Øضاري ثقاÙÙŠ طبيعي أنتجته الأمم القديمة ثم تناقلته الØضارات التي تعاقبت بعدها وانتشرت ÙÙŠ كل بقاع الأرض. |