إسلام أونلاين 20/05/2004
من جوبا- خالد Ù…Øمد علي
هنا جوبا.. عاصمة الجنوب السوداني، وقطعة الÙردوس التي أبدعها الله ÙÙŠ Ø£Ùريقيا.. جوبا منقوشة بأشجارها وألوانها وخلÙيتها شديدة الاخضرار.
كانت الأمطار تتساقط بغزارة ÙÙŠ جو بديع عند خروجي من المطار، ومع اشتداد المطر والبرق يلمع بقوة، والرعد يضرب بسوطه الأجواء.. اندهشت عندما رأيت أناسا يخرجون ÙÙŠ الشوارع مهللين للإله الذي يعبدونه ويخشون غضبه، Ùهو يلØÙ‚ الأذى بمن عصاه، وهكذا اØترقت Ø¥Øدى الورش التي يقول دينق دايو Øاكم جوبا: إن أصØابها كانوا عصاة، ولم يكونوا رØماء بالمØتاجين.
جوبا مجتمع القبائل
هذه هي جوبا التي تØتضن قرابة الثلاثمائة أل٠جنوبي يشكلون كل الÙسيÙساء القبلية ÙÙŠ الجنوب، وهي المدينة الوØيدة من مدن الجنوب التي لا تهيمن عليها Ø¥Øدى القبائل النيلية الثلاث: الدينكا، والشلك، والنوير، ولكنها أرض "الباريا" Ø¥Øدى القبائل الاستوائية المتعددة.
ÙÙÙŠ السودان خمسمائة قبيلة وخمسون لهجة، ÙˆÙÙŠ الجنوب ÙˆØده أكثر من ستين من هذه القبائل يشكلون ربع سكان السودان البالغ عددهم 31 مليون نسمة، ولكل قبيلة لهجتها.
وثلثا سكان الجنوب ينتمون إلى القبائل النيلية وهي هالونيكا والشلك والنوير، والثلث الآخر من قبائل الباريا والأنواك واللاتوكا والأشولي والزاندي والمورو وغيرها. ومعظم القبائل الجنوبية لها امتداد قبلي بدول الجوار، Ùالنوير والأنواك تمتد إلى داخل إثيوبيا والدبوسا مع كينيا والزاندي مع الكنغو والأشولي مع أوغندا والÙرتيت مع Ø£Ùريقيا الوسطى.
وقد ساهم هذا الارتباط ÙÙŠ شعور هذه القبائل بالانتماء للآخر؛ وهو ما ساهم بدوره ÙÙŠ اعتقاد القبائل الأخرى كالدينكا بأنهم هم أصØاب البلد؛ وذلك لأنهم يشكلون Øوالي 90% من قيادات الØركة الشعبية Ùˆ70% من قواتها المسلØØ©.
Øيث يستعد جون جارانج زعيم الØركة الشعبية لدخولها سلما بعد أن استعصت عليه Øربا طوال السنوات العشرين الماضية ليتسلم قيادتها أبناء الدينكا من جوزي٠لاقو زعيم الأنانيا الأولى ورياك قاي الØاكم الجنوبي الØالي، وانتظارا لجارانج ابن الدينكابور الØاكم المنتظر بعد توقيع اتÙاق نهائي للسلام مع الØكومة.
ويعتقد أبناء القبائل الأخرى أن الاتÙاق القادم سو٠يعطي هيمنة تامة للدينكا على Øساب الآخرين، خاصة أن أبناء الدينكا ذوي الوجوه الناعمة طوال القامة ممشوقي القوام يعتبرون أنÙسهم الأسياد، أسياد الجنوب بل السودان كله.
وجوه أنهكتها الØروب
ولأن جوبا تØتضن كل هذه الأعداد والثقاÙات الجنوبية المختلÙØ© Ùهي مرآة الجنوب كله الذي انصهرت وتمازجت Ùيه الثقاÙات المØلية والإقليمية، وشكلت تنوعا يمكن البناء عليه ليعطي السودان ثراء خاصا به، ويكون داÙعا للوØدة وليس للانÙصال، خاصة أن أبناء الجنوب اختاروا الوØدة عام 1947Ù…ØŒ وقبل استقلال السودان عام 1956Ù…ØŒ ولكن الإشاعة لعبت الدور الأساسي ÙÙŠ تمرد توريت عام 1955ØŒ ومنذ هذا التاريخ لم تتوق٠الØرب الأهلية سوى سنوات قليلة مع اتÙاق أديس أبابا عام 1972Ù….
آثار الØرب تبدو قاسية جدا هنا على وجوه الناس وعلى بنية المدينة الأساسية وعلى إنتاجهم الثقاÙÙŠ ونشاطاتهم الاجتماعية والرياضية.
الØرب أسقطت من Øساب الزمن إنسان الجنوب Ùبدت الأجسام وكأنها هياكل عظمية والوجوه تائهة ÙˆØائرة بلا هد٠ÙÙÙŠ هذه العشش من القش يعيش الناس بلا مياه ولا كهرباء ولا صر٠صØÙŠ. وينقسمون إلى أربع Ùئات: الÙئة الأكثر ثراء هم العاملون بالمنظمات، وهؤلاء يجيدون الإنجليزية ويقرءون بعض الكتب الغربية التي تتØدث عن Øقوق الإنسان والانتهاكات التي تتعرض لها الأقليات، ويتلقون برامج سياسية بشكل دائم ويØرصون على تعليم أبنائهم وإلØاقهم بجامعات ÙÙŠ كينيا وأوغندا وجميعهم تقريبا يدينون بالمسيØية، وإن كان منهم من ارتد عن إسلامه بعدما سØقه الجوع والمرض، ولم يجد إلا أيدي جماعات التبشير رØيمة تأخذ بيده، بينما غاب عن جوبا والجنوب أي وجود عربي أو إسلامي ولم يتبق من المسلمين هنا إلا 15% من مجتمع الجنوب بعد أن كان كل الجنوب مسلما قبل دخول هيئات التبشير عام 1850Ù….
والمسلمون هم الأÙقر والأكثر بطالة، والكثير منهم يعملون بالتسول، وثاني الÙئات هم موظÙÙˆ Ø§Ù„Ù…ØµØ§Ù„Ø Ø§Ù„Øكومية، وقال لي والي ولاية بØر الجبل التي عاصمتها جوبا الجنرال جيمس لوران هنا 20 أل٠موظ٠وعامل ÙÙŠ Ø§Ù„Ù…ØµØ§Ù„Ø Ø§Ù„Øكومية، ويتلقون رواتب هزيلة لا تزيد عن مائة أل٠جنيه سوداني أي أقل من 40 دولارا، وهناك Ùئة التجار الأوÙر Øظا؛ لأنهم ÙŠØتكرون عملية البيع داخل أسواق جوبا لاستØالة وصول اØتياجات الناس بعد Ù†Ø¬Ø§Ø Ù‚ÙˆØ§Øª قرنق ÙÙŠ Øصار المدينة من كاÙØ© الطرق، ولكن الكثيرين من ذوي الخبرة من التجار يسلكون طرقا التÙاÙية للوصول إلى جوبا التي تباع السلع Ùيها بخمسة أضعاÙها ÙÙŠ الخرطوم، أما الغالبية العظمى من أبناء الجنوب وجوبا منهم لا يعملون ويعتمدون على عائل واØد مثل الصيد ÙÙŠ النيل أو التقاط ثمار المانجو التي تÙترش بها أراضي جوبا.
التعليم والثقاÙØ© غاب عنهما السلام
ÙÙŠ Ø¥Øدى مدارس جوبا كان التلاميذ يتطلعون إلى التعلم، ويصرون عليه على الرغم من انعدام الإمكانيات تقريبا، وقال المعلم "ضو البيت" بمدرسة البلك عن المواد التي يدرسها للطلاب Ùقال: إننا ندرس باللغة العربية مواد عن إنسان الكون والقبس وهي مختارات من الأقوال المأثورة والØقائق العلمية والعلوم والرياضيات والدين الإسلامي والمسيØÙŠ.
ويتØدث السكان "عربي جوبا" الخليط من اللغة العربية والإنجليزية واللهجات المØلية، ولكن العربية هي اللغة الطاغية على الرغم من دخول بعض قواعد الإنجليزية عليها.
وغالبية الدراسة تتوق٠عند المدارس الثانوية التجارية والزراعية لتوق٠الدراسة بجامعة جوبا بعد الØرب. ولكن جوبا التي غادرها وهرب من جØيم Øصارها معظم ØÙŽÙ…ÙŽÙ„ÙŽØ© المؤهلات العليا تنتظر عودة السلام وعودة الغائبين لإعمارها.
ولا يبدو أن هناك إنتاجا ثقاÙيا Ù…Øليا لغياب النخبة من ناØية، وعدم وجود مطابع من ناØية ثانية، واÙتقار المدينة لبيوت أو قصور الثقاÙØ© التي يمكن أن تعكس إبداع أبناء الجنوب.
ولكن الموال الشعبي الذي يصاØب الإخراج هنا يتركز على التغني بالشجاعة والإقدام ÙÙŠ الØروب.. كل قبيلة كونت لنÙسها Øكايات أسطورية تشبه Ùيها رجالها بالأسود والسباع التي تأكل الأعداء.
وتØتل الأبقار أهمية خاصة هنا -ويشبه الÙارس بالثور القوي الجميل ÙÙŠ الأغاني والموال الشعبي-Ø› لأنها تكون بديلا للدم، Øيث تقدم الأبقار كتعويض عن القتل أو الإعاقة، وتختل٠كل قبيلة ÙÙŠ عدد الأبقار التي تبدأ من 15 بقرة إلى 30 بقرة كدية القتل، وهي مقدسة عند بعض القبائل، وتكتسب أهميتها أيضا ÙÙŠ أنها تقدم كمهور عند الزواج ÙÙŠ معظم القبائل الجنوبية، وإن كان قطاع من الدنيكا والنوبة قد بدأ ÙÙŠ استبدال الأموال بها.
منضدة ومنديل وأشياء أخرى
وللزواج طقوس تكاد تكون واØدة مع اختلاÙات Ø·ÙÙŠÙØ©ØŒ Øيث ÙŠØµØ§Ø±Ø Ø§Ù„Ø´Ø§Ø¨ والده باسم الÙتاة التي يريدها Ùيكتب خطابا إلى أهلها ÙŠØمله قريب له، وعندما تتأكد الأسرة أنه يريدها؛ لأنه ÙŠØبها ويقدر أهلها، وليس لأنه التقى بها قبل ذلك، يعطي والد الÙتاة موعدا للأسرة Ùيأتي الشاب ومعه منضدة صغيرة ومÙرش ÙˆÙوطة ومنديل أبيض وطبق وتشكل هذه الأشياء الخطبة التي ÙŠØضرها الطرÙان، وتØدد Ùيها الÙتاة ما يسمى "بÙØªØ Ø§Ù„Ø®Ø´Ù…" وهو مبلغ تØدده وتطلبه بنÙسها من خطيبها أمام المجمع الأسرى، وعادة ما ÙŠØªØ±Ø§ÙˆØ Ø¨ÙŠÙ† 100 Ùˆ150 أل٠جنيه سوداني، وإذا كان المهر سيدÙع بالجنيه السوداني، وليس بالأبقار كما هو عند عدد من القبائل الاستوائية وبعض قبائل الدينكا والشلك والنوبة، Ùالمهر ينقسم إلى عدة أقسام، إذا كانت العروس متعلمة ÙيدÙع العربي ØÙ‚ المدرسة، ويقدر ما بين 250 إلى 350 أل٠جنيه؛ وذلك تعويضا عما صرÙÙ‡ الأب على تعليم ابنته، وهناك ØÙ‚ الأم التي ولدتها ويقدر بـ 500 أو 600 أل٠جنيه ÙˆØÙ‚ الأب الذي قام بالتربية والØراسة ما بين 300 Ùˆ400 ألÙØŒ وإذا كانت الÙتاة صغيرة ومتعلمة، ولم يسبق لها الزواج Ùقد يصل المهر على مليون جنيه، أما إذا كانت قد سبق لها الزواج أو غير متعلمة أو متقدمة ÙÙŠ السن Ùإن المهر لا يزيد عن 500 أل٠جنيه. وعلى العروس شراء سرير وملاءة ودولاب ولمبة جاز وصوان٠وØلل.
وعند اصطØاب العروس إلى منزل الزوجية تقوم Ùتاتان من أهل العريس بخدمتها لمدة شهرين أو شهر، وبعد أن تكون قد اعتادت الØياة مع زوجها ÙÙŠ بيتها تغادران المنزل بعد أن قامتا بواجبهما ÙÙŠ الطهي والغسيل وتطييب الزوجين بالبواخير المØلية، وهناك Ø£ÙØ±Ø§Ø ØªÙ‚Ø§Ù… ÙÙŠ الكنيسة للمسيØيين وهم يشكلون 20% من أبناء الجنوب أو Ø£ÙØ±Ø§Ø ØªÙ‚Ø§Ù… ÙÙŠ البيوت والشوارع وعلى ضÙا٠النيل عند بعض القبائل التي تعبد النيل أو Ø§Ù„ØªÙ…Ø³Ø§Ø Ø£Ùˆ الØوت.
الإسلام الغائب الØاضر
وعلى الرغم من غياب التواجد الإسلامي هناك Ùإن هيئة الإغاثة الإسلامية التي يترأسها المشير سوار الذهب قد نجØت ÙÙŠ رعاية عدد من الخلاوي، Øيث يقوم عدد من المتطوعين الشماليين بتØÙيظ الصغار القرآن الكريم، وتنخرط أعداد كبيرة من أطÙال المسلمين ÙÙŠ هذه الخلاوي قليلة العدد ÙˆÙقيرة الإمكانيات، ÙˆÙÙŠ جوبا لا يوجد إلا أربعة مساجد، ولكن يسمع الأذان Ùيها Ø¨ÙˆØ¶ÙˆØ Ù„Ø§Ø³ØªØ®Ø¯Ø§Ù… مكبرات الصوت، وهناك عدد من الزوايا الصغيرة، وتغلب على المؤذن والقارئ لهجة عربي جوبا، Øيث تكسير الØروÙØŒ ولكنها بشكل غير ملØوظ.
عندما غادرت٠جوبا الجميلة علمت أنني كنت سأÙقد الكثير لو لم أزÙرْ هذه المدينة؛ Ùهي الساØرة بطبيعتها، الرائعة ÙÙŠ تنوعها الثقاÙÙŠØŒ الجميلة التي ترتدي ثوبا جنوبيا يلت٠Øول مدنها، إننا لا نعر٠عن هذه المدينة الكثير، ولكن أهلها يعرÙون عنا كل شيء من خلال Øكايات ينقلها لهم القادرون على زيارة بلادنا، وهم ÙŠØلمون دائما بزيارة مدن العرب التي يشاهدونها على شاشات التلÙاز. |