الجزائر– منير الÙيشاوي
يتبارى المسلمون ÙÙŠ كاÙØ© أنØاء الأرض ÙÙŠ جعل الاØتÙال بشهر رمضان المعظم أكثر خصوصية وتميزاً ÙÙŠ بلادهم على اختلا٠مواقعها ومواطنيها. ÙˆØين ÙŠÙ†Ø¬Ø Ø´Ø¹Ø¨ ما ÙÙŠ تØقيق تلك الخصوصية وذلك التميّÙز يسعى مسؤولوه بشتى الوسائل- خصوصاً الإعلامية منها- على تعري٠العالم والمسلمين بأساليب الاØتÙال بالشهر الكريم ÙÙŠ بلادهم. وهذا ما Ùعله عبد العالي طير مدير عام الديوان الوطني للسياØØ© بالجزائر Øين بالغ ÙÙŠ الØرص على توقيت زيارة ÙˆÙد "السياØØ© الإسلامية" لتتم خلال شهر رمضان المعظم الماضي. وكان القصد من وراء اختياره شهر رمضان بالذات لتØقيق الزيارة، هو الوقو٠على مدى التزام واØتÙال كاÙØ© طوائ٠الشعب الجزائري بهذا الشهر الكريم.
وقد أصاب السيد طير- جزائرياً -ÙÙŠ اختيار هذا التوقيت، أما Ù†ØÙ† ومراÙقنا ياسة عبد الناصر، Ùلنا الله كصØÙيين وكصائمين، Øيث كان يومنا يبدأ قبل السادسة صباØاً وينتهي بعد منتص٠الليل يومياً، Ùالبرنامج المعد لزيارة ست ولايات جزائرية متباعدة جغراÙياً ÙÙŠ أسبوع، كان غنياً بالزيارات واللقاءات، يتخلله التمتع بمكاÙآت ذكية تمثلت ÙÙŠ تناول طعام الإÙطار مرتين ÙÙŠ بيوت بعض العائلات الجزائرية مثلما Øدث أثناء زيارتنا لولايتي بسكرة وتلمسان.
أغرب Ø¥Ùطار رمضاني
هل سبق لأØدكم أن Ø£Ùطر ÙÙŠ رمضان Ø¨ØªØµØ±ÙŠØ Ù…Ù† "أولي الأمر" وهو يرى قرص الشمس ملء عينيه كاملاً؟! أشك ÙÙŠ أن يكون ذلك قد Øدث لمعظمكم، ولكن بالنسبة لوÙد "السياØØ© الإسلامية" Ùقد Øدث. كي٠وأين؟ إليكم القصة كاملة.
غادرنا القاهرة على متن طائرة الخطوط الجزائرية المتوجهة- غرباً- إلى الجزائر، تاركين المقيمين بالعاصمة المصرية وهم على موعد للإÙطار ÙÙŠ رمضان ÙÙŠ تمام الساعة الخامسة والربع مساء بتوقيتها، ÙˆØين عبرت الساعة السادسة- بنÙس التوقيت- نادينا على المضيÙØ© وسألناها عن موعد تناول طعام الإÙطار، Ùأجابتنا بأن الكابتن سو٠يعلن ذلك ÙÙŠ Øينه، ÙمازØناها أن تتوسط لدى الكابتن لتقديم الموعد لنا، كمصريين Ùات موعد Ø¥Ùطارهم بتوقيت القاهرة منذ ما يقارب الساعة، Ùتساءلت بدهشة: "كيÙØŸ!" واستطردت قائلة: "انتظروا إعلان الكابتن عن موعد الÙطور".
وبعد Øوالي نص٠ساعة من هذا الØوار أعلن الكابتن عن Øلول موعد تناول طعام الإÙطار، بينما كنا نراقب قرص الشمس عن كثب والذي كان يأبى أن يغيب كلما توغلت الطائرة Ù†ØÙˆ الغرب وكأنه يخرج لنا لسانه لإغاظتنا!
وهنا.. أصابتنا دهشة معاكسة، Ùعدنا لمناداة Ø£Øد المضيÙين وسألناه: كي٠يمكننا تناول الإÙطار وقرص الشمس كامل وماتزال أشعته تداعب أعيننا وأهدابنا؟!
Ùأجاب: تذكروا أننا على إرتÙاع عشرة آلا٠قدم Ùوق Ø³Ø·Ø Ø§Ù„Ø£Ø±Ø¶ØŒ والشمس التي نراها الآن من ذلك الارتÙاع الشاهق هي ÙÙŠ موقع آخر بعيد عن موقعنا، أما الموجودون على الأرض Øيث Ù†ØÙ† الآن Ùقد غربت شمسهم!! Ùسألناه:" إذن.. تتØمل الوزر إذا لم يكن القرار سليماً؟! Ùرد ضاØكاً: "لا.. الكابتن يتØمله"!
ورغم ترددنا قليلاً إلا أننا امتثلنا لقرار "ولي أمرنا" بالطائرة وبدأنا بتناول الإÙطار، رغم سطوع قرص الشمس الكامل. ولكن بعد عشرة دقائق من بداية الإÙطار وقعت Ù…Ùاجأة Øيث غاب قرص الشمس بالتمام والكمال ÙˆØÙ„ الظلام Ùجأة! وهنا بدأ الشك ÙÙŠ صØØ© قرار الكابتن يساورنا.. ثم أرØنا أنÙسنا بتØميل الكابتن المسؤولية أمام الله!
وللإÙطارات الرمضانية Øكايات
وتناول الإÙطار الرمضاني بالجزائر يتم ÙˆÙÙ‚ مراسم خاصة، Øيث دائماً ما يبدأ بتناول التمر واللبن وقليل من الماء، ثم أداء صلاة المغرب جماعة، بعدها يعود الجميع لتناول الإÙطار Øيث يبدأ استئناÙÙ‡ بتناول الشوربة والتي تختل٠نوعيتها Øسب المنطقة أو الولاية، ÙÙÙŠ ولاية بسكرة- بداية الجنوب الأوسط للجزائر- ÙŠÙضلون شوربة "الÙريكة" والتي تØتوي على المرق الأØمر المخلوط بالÙريك، ÙˆÙÙŠ تلمسان- القريبة من الØدود المغربية- ÙŠÙضلون شوربة "الØريرة" الØارة التي تتكون من المرق الأØمر وقطع اللØÙ… الصغيرة، ثم تقدم بعد ذلك الأطباق الرئيسية المتنوعة ما بين اللØÙ… مع الصوص أو الدجاج المØشو بالكسكسي مع أنواع متعددة من السلطات، بعد ذلك يأتي دور الØلويات والقهوة والشاي الأخضر المØلى بالسكر والذي يطلقون عليه تسمية "التاي" والذي يتم صبه من الإبريق إلى أكواب زجاجية صغيرة من على ارتÙاع قد يصل إلى Øوالي نص٠المتر Øتى يمتلئ ثلثا الكوب بـ"التاي" والثلث الباقي بالرغوة.
وأثناء الأمسية الرمضانية بولاية بسكرة، وبالتØديد بمنطقة "الزعاطشة"ØŒ Øكى لنا مضيÙنا على الإÙطار، ويدعى "مواقي بناني عبد الرØمن"ØŒ عن أقاربه الذين استوطنوا السعودية منذ العام 1950ØŒ بأن هذا الاستيطان والذي بدأ بسÙر بعض من أقاربه لأداء Ùريضة الØج كان قد أثار ØÙيظة باقي عائلته الكبيرة التي- مثلها مثل كل العائلات الجزائرية- ترتبط بأرض الجزائر ارتباطاً أصيلاً ÙˆØميمياً، Ùأرسلوا يسألون ذويهم بالسعودية بغضب عن أسباب بقائهم هناك وتخليهم عن العودة إلى أرض الوطن الØبيب، Ùجاءهم الرد كالتالي: "نصلي ÙÙŠ الØرم، ونأكل اللØÙ…ØŒ ونطيّب (أي نطهو) على الÙØÙ…". Ùكانت النتيجة.. Ù†Ø²ÙˆØ Ø¹Ø¯Ø¯ كبير من Ù†Ùس العائلة إلى هناك بعد أن أسالت تلك المغريات لعابهم.
إذن يتØول توقيت ما بعد الإÙطار الرمضاني بالبيوتات الجزائرية إلى سامر Ù…Ùعم بالدÙØ¡ والمشاعر والØب ورسم الابتسامات مثلما Øدث أيضاً عقب تناولنا الإÙطار ÙÙŠ ولاية تلمسان بمنزل المجاهد عبد العزيز Ù…Øداد وزوجته المجاهدة الرائعة خديجة Ù…Øداد، وهما من أبطال الثورة الجزائرية والمكرمين ÙÙŠ العديد من المناسبات، Øيث صادÙت زيارتنا لهم، وإÙطارنا معهم، ليلة الاØتÙال باليوبيل الذهبي لاندلاع ثورة التØرير الجزائرية. وقد شاهدنا ÙÙŠ هذا المنزل تقليداً علمنا أن معظم البيوتات الجزائرية تتبعه عند Øلول هذه المناسبة، Øيث وجدنا السيدة خديجة وقد كست Ø£Øد Øوائط صالة الاستقبال بالمنزل بعلم الجزائر من الØجم العملاق، وعلّقت على معظم زوايا المنزل الأزياء الجزائرية التقليدية، والتي يعود عمر البعض منها إلى أكثر من مائتي عام، كما زينت الØيطان بشهادات التقدير والتكريم والأوسمة الممنوØØ© لها ولزوجها، علاوة على شهادات التكريم لأقاربهما من الشهداء، وأخذت تقص علينا ذكريات الجهاد والتي مثلت جميعها مراØÙ„ ولبنات كانت جزءاً من نسيج التØرير الذي تنعم به الجزائر الآن. وعند خروجنا الصعب من منزل هذين العملاقين ÙÙŠ دنيا الجهاد كنا نردد: هنيئاً للجزائر بـ"خديجة" Ùˆ"عبد العزيز" وليت أمتنا العربية والإسلامية تمتلئ بأمثالهما.
الاØتÙالات الرمضانية بالمساجد والشوارع
لأنه شهر الصوم والإØسان والغÙران، ينتهز الغالبية العظمى من الجزائريين Ùرصة Øلول شهر رمضان المعظم ليؤكد الملتزمون ÙÙŠ أداء الشعائر الدينية التزامهم، ويسعى المقصرون منهم إدراك ما Ùاتهم، متوسمين كل الخير وطامعين ÙÙŠ رØمة الله الواسعة. ويلتقي كلا الصنÙين بالمساجد مكونين نسيجاً واØداً، يؤدون الÙرائض والسنن، ويتسابقون ÙÙŠ الدعاء وتلاوة أكبر عدد من أجزاء القرآن الكريم وختمه أكثر من مرة خلال الشهر الكريم، وينصتون للدروس الدينية ÙÙŠ خشوع على مدار اليوم. كل يؤدي ذلك Øسب ظرو٠وقته وعمله إلى أن ÙŠØين موعد الإÙطار. وعندها يتناولون التمر واللبن داخل المسجد، ثم يؤدون صلاة المغرب جماعة، ويبقى من يبقى ويغادر البعض الآخر إلى منازلهم لتناول الإÙطار مع أسرهم.
من ناØية أخرى اعتاد معظم الجزائريين قضاء أوقاتهم بعد الإÙطار خارج منازلهم للاستمتاع بالسهرات الرمضانية التي تزخر بها الولايات الجزائرية وبشكل متنوع بالمقاهي والشوارع والÙنادق والمسارØ. وتزدØÙ… شوارع مراكز المدن بالناس خصوصاً بعد موعد انتهاء صلاة العشاء ÙˆØ§Ù„ØªØ±Ø§ÙˆÙŠØ Ø§Ù„ØªÙŠ تجد إقبالاً منقطع النظير بالمساجد، Ùمعظمها تمتلئ بالمصلين، بل إنهم ÙŠÙترشون الأرض خارجها بصورة ملØوظة. ومن أمثلة ذلك المسجد الكبير بولاية قسنطينة والذي يتسع مبناه لسبعة وعشرين أل٠مصل بالداخل، وثلاثة عشر أل٠مصل بالمنطقة المØيطة به. وذكر لنا إمام هذا المسجد أنه يكتظ عن آخره بالداخل والخارج بالمصلين ÙÙŠ معظم أيام الجمع والعيدين وبعض من العشر الأواخر ÙÙŠ رمضان.
المقاهـي.. Ø£Øمد بن بيـللا
أكدت جولاتنا ÙÙŠ ليالي رمضان بالعديد من الولايات الجزائرية انطباعاً راسخاً بشأن المقاهي بالجزائر Øيث لاØظنا اكتظاظها بالرواد من الرجال والÙتيان، يتبادلون الأØاديث ويلعب البعض منهم طاولة الزهر والدومينو. ولÙت أنظارنا عدم ارتياد السيدات أو الÙتيات لهذه المقاهي ولو ÙÙŠ إطار عائلي. ولاØظنا أيضاً إنعدام الشيشة (النرجيلة) ÙÙŠ أي من المقاهي التي شاهدناها. وعلمنا أنها- أي النرجيلة- لم ØªØ¬ØªØ§Ø Ø§Ù„Ø¬Ø²Ø§Ø¦Ø± بعد على الرغم من انتشارها الواسع بمقاهي، بل وبيوت جارتيها: تونس والمغرب.
وبشأن المقاهي .. Ùقد علمت أن الجلوس Øول موائدها بالجزائر يمثل خصوصية ومذاقاً خاصاً بالنسبة للشعب الجزائري، خصوصاً خلال شهر رمضان. وأكبر دليل على ذلك ما قاله لي زعيم ثورة التØرير الجزائرية وأول رئيس لجمهوريتها بعد الاستقلال Ø£Øمد بن بيللا Øين شرÙت بلقائه على هامش Ø£Øد المؤتمرات بالقاهرة Ùقد Øكى لي بعضاً من ذكرياته بمقهى الÙيشاوي العريق بالقاهرة، ÙˆØيث كان يلتقي بالثوار الجزائريين ÙÙŠ الخمسينيات من القرن الماضي بنÙس المقهى، يتØاورون ويخططون للثورة ضد المستعمر الÙرنسي، وقد ذكر بن بيللا ذلك ÙÙŠ مذكراته المنشورة.
Ùعاليات أخرى Ø¨Ø§Ù„Ù…Ø³Ø§Ø±Ø ÙˆØ§Ù„Ù…ÙŠØ§Ø¯ÙŠÙ†
ÙˆÙÙŠ ولاية قسنطينة استشعرنا التذوق الجزائري الرÙيع للÙÙ† الأصيل ÙÙŠ ليلة رمضانية بأØد Ø§Ù„Ù…Ø³Ø§Ø±Ø Ø§Ù„Ø£ÙˆØ¨Ø±Ø§Ù„ÙŠØ© العريقة عند متابعتنا للإنصات لدندنات وعز٠الÙنان العراقي الكبير "نصير شمة" على آلة العود.
ÙˆÙÙŠ ولاية وهران، وبالتØديد ÙÙŠ ميدان أول نوÙمبر بوسط المدينة والذي يتوسطه تمثال للأمير المجاهد" عبد القادر الجزائري"ØŒ تابعنا عزÙاً موسيقياً كان يجاوره بوسط الميدان مباريات ÙÙŠ رياضة التØطيب والتي تماثل المبارزة بالسيو٠وإن استبدلت السيو٠بالعصي، وسط Øلقة واسعة من المشاهدين والمشجعين بمركز الميدان. وقد أضÙÙ‰ الإثارة عليها أن جميع المباريات التي شاهدناها ÙÙŠ تلك الليلة الرمضانية كان طرÙاها عجوزا ÙÙŠ السبعين من عمره وأØد الÙتيان، وكانت تتم وتتتابع بأسلوب أن الغالب مستمر ÙÙŠ اللعب. ومن المدهش أن المستمر أو الÙائز الدائم كان الرجل العجوز، والذي استبدل عصاه عدة مرات بعد تØطمها من قسوة ضرباته الموجهة لخصومه!
وكان مسك الختام ÙÙŠ رØلة العودة إلى القاهرة، Øين أعلن كابتن الطائرة عن Øلول موعد تناول طعام الإÙطار مبكراً هذه المرة عن موعده بالجزائر بØوالي ساعة ونص٠الساعة، Øيث كان الغروب يتسابق ÙÙŠ الØلول كلما توغلنا شرقاً، وبذلك عقد كابتن الطائرة معاهدة ØµÙ„Ø Ù…Ø¹Ù†Ø§ بأن أعاد إلينا الساعة ونص٠الساعة التي كان قد اغتصبها منا ÙÙŠ رØلة الذهاب إلى الجزائر!
رمضان كريم.. وكل عام وأنتم بخير. |