عودة إلى أفغانستان

وأخيرا، لقد دبت الحياة في السياحة وهي في حالة جيدة في أفغانستان. وعلى أية حال لا شك في أن هناك الكثير مما ينبغي عمله، ويقدر حال البلد بأنه قلق، وغير مستقر، وبعض الحكومات تصفه بأنه خطير. ولكن وكلاء شركات السياحة في كابول وباكستان أكدوا حضورهم في سوق السفر العالمي في لندن في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي وأعلنوا عن برامجهم. وعدد من الشركات الإنجليزية قد عملت هناك بنجاح خلال السنة الماضية، ومن المدهش أيضا أن شركة أمريكية نظمت سفرة إلى هناك. والعديد من الأفراد السياح والكتاب يزورون البلد مرة أخرى، وهناك مشاريع كتب تؤلف عن أفغانستان. وبالرغم من الحياة اليومية الصعبة للكثير من الأفغان، فإن جو التفاؤل بارز للعيان.

إن الدخول إلى أفغانستان قد يكون مثبطا للعزيمة لأن الكثير من الطرق هي في حالة الإنشاء، خصوصا الطريق الجميل من باكستان إلى كابول عبر مضيق خيبر الجبلي وغور كابول. وعربات نقل المواد الضرورية توفر ممرا آمنا للسياح. وعند التوغل في البلاد تشاهد اللوريات الصغيرة والكبيرة وهي تتقدم بصعوبة على طريق ضيقة ناقلة مواد البناء للبيوت والقرى التي كان أهلها قد تركوها سابقا: أعمدة للسقوف، حصران وأدوات بناء. وقد عاد المهاجرون مع أفرشتهم وحقائبهم المطرزة وأمتعتهم.

إن الشريان الحيوي إلى أفغانستان في عالم اليوم هو الوصول إليها واستفادتها من تجارة الترانسيت. ونظام الطرق أمر حيوي: منذ عام 2000 جرى العمل في إصلاح كل الطرق الرئيسية. وخلال عام 2005، تم إعمار القسم الأخير من شارع قندهار-هرات، والطريق الذي يقود إلى نفق سالانغ في الهندو كوش والطريق من جلال آباد إلى كابول. وستكتمل بذلك شبكة الطرق وتتحسن. وقد ساعد عدد من الدول في عملية إعادة الإعمار وشق الطرق الجديدة.

والسياحة سوف تتبع طرق التجارة. وبعد الانتهاء من مشاكل النقل، فعلى السياحة أن تواجه مشكلة نقص السكن والخدمات. وهذه مشكلة صعبة وتعتمد بشكل كامل تقريبا على القطاع الخاص. وقضية الأمن هي الأخرى ذات أهمية كبرى. وليس سوى الأفراد الشجعان أو من ذوي النظر البعيد الذين يخاطر بأمواله في هذه الحالة غير المستقرة. ومن المدهش أن الانتخابات الأخيرة قد تمت بنجاح وهي تعبر عن رغبة الشعب في استقرار البلد، بعد سنوات كثيرة من الفوضى الضاربة.

وهناك العديد من مجالات سياحة المغامرت في هذه المرحلة من تطور البلد. وقد قامت شركتي (هنتر لاند) خلال العام الماضي برحلات ناجحة لها تأثيراتها المستقبلية. لقد سافرنا من كابول إلى باكستان وزرنا جبال الهندو كوش ووادي باميان. ثم عبرنا الجبال إلى هرات. ومن الغريب، كما قد يبدو، فإن الطريق الرئيسي الآن يسهل استعماله أكثر من الماضي لأن الأطراف التي تقاتلت في الماضي من أجل السيطرة على هذه المنطقة، قد عملت على توسيع الطريق.

ووادي باميان والطرق المؤدية إليه هي شديدة الجمال. وتماثيل بوذا التي هي المعلم الأكثر شهرة من معالم أفغانستان، هي صفة لطالبان، وهي شاهد آخر على استمرار الدافع التدميري عند الإنسان.

وعندما وصلنا إلى فندق باميان، اكتشفنا وجود مؤتمر تموله الأمم المتحدة، لمدة خمسة أيام، وهو عبارة عن مؤتمر تربوي وتعليمي للقضاة في إقليم باميان، والمسؤول عنه محاميان أمريكي وآخر أفغاني. ودارت المناقشات بصورة رئيسية حول تطبيق الشريعة والقانون المدني الأفغاني، وكذلك تأثير القانون الدولي الذي تعترف به أفغانستان. وقد كان المؤتمر يبعث البهجة في النفس حيث إن عقد مثل هذا المؤتمر ومستوى مناقشاته لهما وقع كبير.

واستمرينا في رحلتنا خلال الجبال، فوصلنا هزار وهي منطقة قبلية على الطريق. وقد حرق الطالبان العديد من القرى، وقد ساد أولا منظر حزين لهذه الأرض. شاك شاران، وسط أفغانستان، هي النقيض الواضح للكساد الماضي، فهناك حركة كثيرة ولكن الناس تنتظر الأمريكان ووعودهم بالديمقراطية، والمساواة والحياة الأفضل.

والسفرة بواسطة السيارات الرباعية الدفع عبر نهر هاري رود صعبة وتكاد تكون مستحيلة وأخذتنا إلى دجام، حيث منارة/ برج نصر غورد، وهي نصب معزول ومدهش، أعاد الغربيون اكتشافها في الخمسينات. وقد أردت رؤية هذا النصب قبل ثلاثين عاما. وقد تحقق حلمي أثناء زيارتي الأخيرة لأفغانستان. وللأسف فإنه لم تتم أية محاولة للحفاظ على هذا الموقع التاريخي والأثري الرائع.

وهناك الكثير من القرى الصغيرة ومدارس تقام في خيام الأمم المتحدة حيث استقبلنا استقبالا حافلا. وأخبرني باعة السجاد في هرات أن الكلم (نوع من الأبسطة) من هذه المنطقة نادر حاليا، ولكن كل مخيم يبدو أن له نوله وخيوطه الشبكية الممتدة.

وعند الوصول إلى هرات، صدمت بالتطوير الذي حصل لهذا المكان منذ آخر زيارة له، في العام الماضي. وقد اكتملت طرق المدينة، والدوائر الجديدة والأسواق على طول الطريق الرئيسي تقفز إلى الوجود بسرعة، بجانب محلات الأحذية والملابس ومراكز الكومبيوتر. وأما الأبنية التقليدية المنخفضة فقد جرى هدمها. وكإنسان غربي، فإني لست متأكدا فيما إذا كنت أحب مثل هذا التطور، ولكن التغيير في أفغانستان لا ينكر.

وأخذنا القسم التالي من سفرتنا إلى الشمال الشرقي، فسافرنا من هرات إلى مزار الشريف، وهو طريق لم يكن معروفا سياحيا. وكان الطريق سيئا للغاية والجو حارا لا يطاق، ولكن الريف كان غنيا بالحياة البرية والاستقبال طيبا، مصحوبا بالمراقبة والاهتمام والشك، لولا وجود الكثير من الرجال بلحاهم البيضاء والعجائز الغربيات ضمن موكبنا.

ومن الواضح أننا لم نكن من الجواسيس الغربيين أو الحكوميين. وهذا الجزء من البلد عامر بالمهربين، وهو قريب من حدود عدد من الدول. ومحطات طريقنا هي مراغة، ميمانه، شبرغان ومزار، وهي رحلة لمدة أربعة أيام في المنطقة القبلية في أفغانستان.

وأخيرا عدنا إلى كابول عبر نفق سالانغ وهو الطريق الأفضل لقوافل التجارة في المستقبل من ستانس إلى كابول والهند. وأتوقع للسياحة الأفغانية مستقبلا صحيا. وإنه لمن دواعي الفخر أن أكون جزءا من عملية تطوير البلد الذي يحثني على العودة إليه المرة تلو الأخرى.

*جيف هان هو صاحب شركة هنتر لاند للسفر وهي شركة متخصصة برحلات العراق وأفغانستان، وتنوي هذا العام القيام برحلة إلى المنطقة الكردية في العراق.