آفاق السياحة الإسلامية
لطبع الصفحة


العدد 40

الرمال كنوز السياحة


الجزء الثاني
أخطار دفينة في الرمال
منذ ما يزيد عن الخمس عشر سنة وأنا أقضي معظم عطلات الصيف في المغرب العربي الذي يطل على البحرالمتوسط شمالاً والمحيط الأطلسي غرباً، وقد حباه الله بالكثير من السواحل الرملية التي نمت وتطورت بشكل كبير خلال هذه الفترة. وقد أصبحت واجهات عصرية مجهزة بكل ما يحلم به السائح والزائر، من منتجعات وفنادق ومسابح ومطاعم السمك البحري وفواكه البحر. وفي صيف هذا العام كنت وعائلتي في الدار البيضاء، وكانت رمال الدار البيضاء هي من أوحت لي بعنوان هذا المقال، حيث وقعت لنا حادثة عندما كنا على رمال الشاطئ، فقد وخزت إبرة طبية مستعملة ومهملة فوق الرمال قدم أحد أفراد عائلتي، وأصبنا بالذعر نتيجة ذلك، حيث نعلم أن الكثير من الأمراض يمكن أن تنتقل بهذه الوسيلة، واستدعى ذلك الكثير من الوقت للمراجعات الطبية وتحليل الدم للتأكد أن كل شئ على ما يرام. وهذه ليست حادثة وحيدة عابرة بل إن المراكز الصحية للطوارئ على السواحل تعالج العشرات من هذه الإصابات.
   هنا لابد من أن أتوقف للتأكيد على أهمية الحفاظ على نظافة الرمال التي يثق بها الأطفال ويلعبون بها لساعات طويلة، ويمشي عليها الجميع بأقدام حافية، وهنا تكمن الخطورة. وهذه دعوة للجميع للإلتزام بالمسؤلية الأخلاقية في الحفاظ على نظافتها من كل شائبة، خصوصاً الأدوات الجارحة. وعلى الجهات الرقابية أن تقوم بعملها في التأكد من نظافتها ومحاسبة كل من يسيء إلى ذلك ومعاقبته بعقوبات تتناسب مع ما يسببه من أذى.
  وإذا كانت هذه الحادثة قد لفتت الإنتباه إلى الأخطار على الأفراد والأسر التي تلجأ إلى الشواطئ للإستمتاع برمالها، فإن بيئة الرمال، سواءا على الشواطئ أو في عمق الصحراء هي بدورها معرضة لمخاطر ينبغي التنبه لها. فبما أن الرمال مهمة على النحو الذي وصفناه، ينبغي إذن الحفاظ عليها وأن تكون الرحلات السياحية مسؤولة بيئياً، فيراعى فيها البعد والنظام البيئى لزيارة المناطق الطبيعية غير الممهدة لأجل الإستمتاع بمظاهر الطبيعة الخلابة بالإضافة لتعزيز حمايتها وما يصاحبها من معالم ثقافية وأن تحقق مكاسب اجتماعية واقتصادية للمجتمعات المحلية، وأن يكون هذا التخطيط بتعاون وثيق وتنسيق بين وزارة السياحة ووزارة البيئة أو الهيئات التي تقابلها في مختلف البلدان.
كما أنه ينبغي استخدام أحدث التنقنيات والأجهزة التكنولوجية في العناية بالرمال وتنظيفها وتوفير ما يكفل سلامة المنتفعين بها من حيث النظافة والجوانب الجمالية التي تجذب السياح.
   وينبغي التأكيد أن الصحراء لا تعني الإتساع غير المحدود الذى يستوعب الممارسات البشرية بكل سلبياتها، بل على العكس تماماً فالصحراء تتسم ببيئة هشة للغاية وأنظمتها البيئية ذات حساسية عالية وتتوازن مع بعضها البعض فى نظام طبيعي دقيق يحدث الإخلال به انهيارا من الصعب إيقافه. لذا يلزم التعامل مع النظم الصحراوية على أساس من الحكمة والعلم Ùˆ الإحتياط وأن يكون التخطيط السياحي والبيئي بكوادر عالية المستوى العلمي وبمشاركة السكان الأصليين الذى هم جزء من عناصر حماية البيئة في تلك المناطق.
طرائف الرمال
ومن غرائب الرمال أن بعضها تحتك ذراتها بتاثير الرياح فتحدث أصواتا شبيهة بالموسيقى، فحركة ذرات الرمال الجافة تولد شحنات كهربائية تجعلها تتذبذب، فتحدث أصواتا يمكن سماعها من مسافة بعيدة. وهذه الظاهرة موثقة في 35 صحراء حول العالم، أشهرها صحراء كزاخستان.
   ومن أطرف ما حصل مؤخرا هو سرقة الرمال الجامايكية، فقد اكتشفت سرقة مئات الأطنان من رمال الشاطئ الشمالي، حتى أن رئيس الوزراء طلب الحصول على تقرير حول كيفية سرقتها وترحيلها وربما بيعها. وكان ما يقدر بحمولة 500 شاحنة من الرمال البيضاء الجميلة قد اختفى من شاطئ (كورال سبرينج) الواقع شمال جامايكا في تموز من العام الماضي، وهو جزء رئيسي من مشروع سياحي بتكلفة مليار دولار. وقد أجرت الشرطة اختبارات معملية على الرمال المتواجدة في كل شواطىء البلاد لتعرف فيما إذا كانت أي منها مطابقة لتلك المسروقة.
   لكل ما تقدم يتضح أن الرمال كنوز وهبة الله للإنسان ليتمتع بها ويستفيد منها، ولابد أن نحافظ على نقاوة وصفاء هذه النعمة من كل شائبة أو إهمال أو سرقة.
والله ولي التوفيق.

Copyright © A S Shakiry and TCPH Ltd.