العدد 36
السياØØ© الدينية هي سياØØ© السلام
تØدثنا ÙÙŠ أعداد سابقة عن أنواع السياØØ© السائدة ÙÙŠ العالم، Ùخلصنا إلى أن Ø£Ùضل أنواعها، ÙÙŠ نظرنا هي السياØØ© الدينية. وتتبع السياØØ© الدينية آثار الرسل، والأولياء الصالØين، لأن ÙÙŠ Øياتهم قدوة للمقتدين، ÙˆÙÙŠ منهجهم منارة للسائرين، ÙˆÙÙŠ مزاراتهم وأضرØتهم مساجد للمتعبدين، يصلون Ùيها، ويتأملون سيرة أصØابها العظام، ويستغÙرون الله تعالى ويسألونه العون والأمن والمغÙرة ÙÙŠ الدنيا والآخرة. ومن تأمّل سير الأنبياء، خصوصا أولي العزم منهم، نصل إلى أنهم كانوا رسل السلام وقادة البشرية Ù†ØÙˆ الأمان. ÙالÙضل يعود إليهم ÙÙŠ إرساء أسس السلام والعدالة ÙÙŠ الأرض، ونØÙ† المسلمين نؤمن بخلود رسالتهم، التي أرادها الله عز وجل أن تكون مناراً تهتدي به الأجيال على مر العصور، وليØÙ„ السلام ÙÙŠ الأرض التي استخل٠Ùيها الإنسان.
هؤلاء الرسل هم Ù†ÙˆØ (شيخ المرسلين ونجي الله)ØŒ وإبراهيم (أبو الانبياء وخليل الله)ØŒ وموسى (كليم الله)ØŒ وعيسى (Ø±ÙˆØ Ø§Ù„Ù„Ù‡)ØŒ ومØمد (Øبيب الله وخاتم الأنبياء والمرسلين)ØŒ عليهم Ø£Ùضل الصلاة والسلام. وقد تØمّلوا أعباء الدعوة والرسالة السماوية إلى الأرض، وهم السÙراء بين الخالق جلّ وعلا وبين عباده.
وإذا علمنا أن جوهر ومضمون ومصدر رسالة هؤلاء الرسل الخمسة هو واØد، عندها يدرك أي إنسان أننا أمام قوة هائلة للسلام موضوعا ØŒ ومنهجا، وواقعا، ويمكن لها أن توØد العالم على مبادئ وقيم وأسس مشتركة للسلم القائم على العدل ÙÙŠ العالم.
كانت رسالتهم واØدة رغم اختلا٠العصور التي بعثوا Ùيها، ورغم تنوع الوسائل التي اعتمدوها لنشرها والتبشير بها، ولاغرابة ÙÙŠ ذلك Ùمصدرها ومشرعها واØد، هو الله سبØانه وتعالى. وكان مضمون الرسالة دائماً نشر السلام والرØمة ÙÙŠ الأرض، والتمييز بين الأÙعال التي تضر أو تنÙع Ùاعلها ÙÙŠ معاشه ومعاده. ومن الأعمال الناÙعة: الإيمان والتوØيد والعدل والبر والإØسان والأمانة والعÙØ© والشجاعة والعلم والصبر، والأمر بالمعرو٠والنهي عن المنكر، وصلة الرØÙ…ØŒ وبر الوالدين، والإØسان إلى الجيران، وأداء الØقوق، وإخلاص العمل لله، والتوكل عليه، والاستعانة به، والرضا بمواقع أقداره، والتسليم Ù„Øكمه، وتصديقه وتصديق رسله ÙÙŠ كل ما أخبروا به، وغير ذلك مما هو Ù†Ùع ÙˆØµÙ„Ø§Ø Ù„Ù„Ø¥Ù†Ø³Ø§Ù† والمجتمع، بل ويتعداه ليشمل كل أشكال الØياة، والمخلوقات المختلÙØ© على Ø³Ø·Ø Ø§Ù„Ø£Ø±Ø¶ لضمان ØÙظ الأنواع، ونظاÙØ© وديمومة البيئة التي تعيش Ùيها الأجيال القادمة.
وقد شرّع الله هذه الأوامر والنواهي، تكريما لبني الإنسان وتشريÙا لهم ÙˆØÙظا لمصالØهم، لأن الناس قد ينساقون وراء شهواتهم Ùينتهكون المØرمات ويتطاولون على الناس Ùيسلبونهم Øقوقهم، Ùكان من الØكمة البالغة أن يبعث الله Ùيهم بين آونة وأخرى رسلا يذكّرونهم أوامر الله، ويØذّرونهم من الوقوع ÙÙŠ معصيته، ويتلون عليهم المواعظ، ويذكرون لهم أخبار السابقين، Ùإن الأخبار العجيبة إذا طرقت الأسماع، والمعاني الغريبة إذا أيقظت الأذهان، استمدتها العقول Ùزاد علمها، ÙˆØµØ Ùهمها، وأكثر الناس سماعا أكثرهم خواطر ØŒ وأكثرهم خواطر أكثرهم تÙكراً، وأكثرهم تÙكرا أكثرهم علما، وأكثرهم علما أجداهم عملا.
لكن الطريق ليست Ù…Ùروشة دوما بالورود Ùلطالما أسيئ استخدام الأديان، ورسالة السلام والرØمة التي جاءت بها، لتبرير أبشع الجرائم على مستوى البشرية، والعلة بالتأكيد ليست ÙÙŠ الديانة Ù†Ùسها، ومن يريد ارتكاب الجريمة لن يجد صعوبة ÙÙŠ إيجاد المبرر لها. لذلك ينبغي الØذر والتÙريق دوما بين أهواء وإجتهادات البشر ÙÙŠ تÙسير الأديان أو Øتى المذاهب المختلÙØ© ضمن الدين الواØد، لتØقيق Ù…ØµØ§Ù„Ø Ø£Ù†Ø§Ù†ÙŠØ© Ùئوية سببت الكثير من الÙتن والآلام، وبين جوهر ومقاصد الأديان السماوية التي هي مصدر الرØمة، والسعادة، ÙˆØ§Ù„ØµÙ„Ø§Ø Ù„Ù„Ø¥Ù†Ø³Ø§Ù†ÙŠØ©ØŒ التي دعى وضØÙ‰ من أجلها أولو العزم من الرسل.
نموذج من السياØØ© الدينية
Ùإذا كان هذا هو Ùضل الأنبياء والرسل، Ùإن لهم Øقوقا على المؤمنين ÙÙŠ أن يزوروا مساجدهم وقبورهم وأن يكثروا من الصلاة والدعاء عندها. ولا شك أن مثل هذه الرØلات هي مصدر مهم من مصادر السياØØ© الدينية.
وتكثر وجهات السياØØ© الدينية، إلا أننا سنقتصر هنا على ضرب المثل برØلة الØج إلى الكعبة المشرّÙØ© والتي من الواجب على المسلم المستطيع أن يؤديها ÙÙŠ Øياته مرة واØدة على الأقل.
Øج البيت الØرام
هذه هي الÙريضة التي توص٠بكونها أضخم، وأقدم، مسيرة إنسانية سياØية سلمية، ويتبعها أكبر مؤتمر ÙÙŠ العالم يشارك Ùيه الملايين من مشارق الأرض ومغاربها على اختلا٠ألوانهم، ولغاتهم وثقاÙاتهم. ولانبالغ إن وصÙنا الØج بأنه أكمل أشكال السلوك الجمعي الإنساني، نظرا لما يتميز به من دقّة وتنظيم. ويسÙر التÙاعل الاجتماعي بين الأÙراد ÙÙŠ المناسك المختلÙØ© عن مناÙع ÙˆÙوائد عظيمة، ربما تكون Ù†Ùس المناÙع التي أرادها نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام Øين ترك أهله ÙÙŠ صØراء قاØلة، لا أنيس بها ولا زرع، Ùقدّم دعاءه إلى الله عز وجل أن يجعل قلوب الناس تØÙ† إليهم وتتعاط٠معهم، وتأتي إلى هذا المكان، قبل أن يدعو بالأرزاق لأهله الذين هم ÙÙŠ أمس الØاجة لها، وورد دعاءه ÙÙŠ Ù…Øكم الكتاب الكريم، Øيث قال:
{رَبَّنَا Ø¥ÙنّÙÙŠ أَسْكَنت٠مÙنْ Ø°ÙرّÙيَّتÙÙŠ بÙوَاد٠غَيْر٠ذÙÙŠ زَرْع٠عÙنْدَ بَيْتÙÙƒÙŽ الْمÙØَرَّم٠رَبَّنَا Ù„ÙÙŠÙÙ‚ÙيمÙوا الصَّلاةَ Ùَاجْعَلْ Ø£ÙŽÙْئÙدَةً Ù…Ùنْ النَّاس٠تَهْوÙÙŠ Ø¥ÙلَيْهÙمْ وَارْزÙقْهÙمْ Ù…Ùنْ الثَّمَرَات٠لَعَلَّهÙمْ يَشْكÙرÙونَ}(سورة إبراهيم/ آية 37)
ويطول Ø´Ø±Ø Ø§Ù„Ù…Ù†Ø§Ùع الإجتماعية والنÙسية المتأتية من الØج ÙÙŠ هذا المقال، لكن نشدد هنا على مايتعلق به.
إن ÙÙŠ قيام الإنسان بالØج إلى بيت الله الØرام، وأدائه الصØÙŠØ Ù„Ø´Ø¹Ø§Ø¦Ø±Ù‡ ومناسكه تربية سلمية مثالية على الكيÙية التي ينبغي أن يعيش الإنسان بها Øياته ÙÙŠ أمن٠وأمان، وسÙلم٠وسلام مع من Øوله من المخلوقات، وما Øوله من الكائنات. وهو ما أشار إليه Ø£Øد الكتّاب بقوله:
"وأØسب أن موسم الØج يعد أنموذجا Ù„Øياة السلام التي يجب أن تعيشها البشرية مهما كثÙرت أعدادها وتباينت اتجاهاتها؛ Ùانظر إلى تØريم Øمل Ø§Ù„Ø³Ù„Ø§Ø ÙÙŠ الØج Øيث جعل البيت مثابةً للناس وأمناً . ÙˆØرَّم صيد البر كله على المÙØرم، ÙˆØتى Øصى الرمي لزم أن يكون صغيراً ÙÙŠ Øجمه ÙŠÙرمى بأصابع اليد دون Ø´ØØ° وقوة ومبالغة ...ØŒ ÙˆØتى ÙÙŠ الأقوال Øرَّم الجدال مخاÙØ© أن يستÙØÙ„ الأمر ويجÙر إلى الأذى والخصومة والشجار".
ومن الناØية النÙسية الصرÙØ© يشعر المسلم بعد أداء Ùريضة الØج بأنه قد تطهّر من آثامه وذنوبه ومعاصيه، وتØرّر من مشاعر الإثم والذنب، وهي من المشاعر التي تقود٠إلى المرض النÙسي، بل على العكس من ذلك يؤمن الØاج أن Øجه المبرور جزاؤه الجنة، ودخول الجنة عند المسلم أعظم المقاصد ومنتهى الغايات التي يعمل طول Øياته لأجلها، ويسعى سعيا Øثيثا للÙوز بها، وبذلك يستبدل الإنسان المشاعر والأØاسيس السلبية بأخرى إيجابية، وتتØقق Øالة السكينة، والأمان، والسلام ÙÙŠ Ù†Ùسه.
السياØØ© الدينية والسلام
لقد رأينا من خلال مثال واØد للسياØØ© الدينية، وهو مثال الØج، عددا كبيرا من المناÙع المنظورة (الÙوائد المادية) وغير الملموسة (الÙوائد الروØية). ويمكن أن يقال ذلك عن وجهات أخرى للسياØØ© الدينية، مثل زيارة المساجد الكبرى ÙÙŠ العالم الإسلامي، والعتبات المقدّسة ÙÙŠ العراق، ÙÙŠ النج٠وكربلاء والكاظمية وسامراء، والأماكن المقدّسة ÙÙŠ Ùلسطين، مثل القدس والخليل.
وقد يطول بنا المقام إذا استعرضنا هذه الوجهات واØدة تلو الأخرى، وقد عرضنا لها ÙÙŠ مكان آخر، ولكن ما يهمنا الآن هو أن نستخلص منها الدروس والعبر.
- إن السياØØ© الدينية هي Ø£Ùضل أنواع السياØات، التي يمكن أن تØقق للÙرد Øالة الأمن والأمان والسلام، وذلك لمردودها الديني والدنيوي، والجماعية التي تتم بها. لذلك ينبغي أن يولي المسؤلون رعاية واهتماما خاصا بهذا النوع من السياØØ© وجعل تسمية سياØØ© السلام، مرادÙØ© لعبارة السياØØ© الدينية. وأن يعمم ذلك على كل المستويات، دعماً لنشر السلام والمØبة بين الأمم.
- إن السياØØ© الدينية بمختل٠أشكالها، تشكّل أكبر Øركة سياØية جماعية منظّمة ÙÙŠ العالم، ويقدر ذلك سنوياً بما لايقل عن مئات الملايين من السياØØŒ بواردات تقدر بعشرات المليارات من الدولارات. لذلك Ùإن Øسن تنظيم وإدارة هذا النوع من السياØØ© ÙÙŠ أي بلد، ينعكس إيجاباً، وينشط كل القطاعات الاقتصادية Ùيه، كالمواصلات والإتصالات وغيرها، ÙˆÙÙŠ Ù†Ùس الوقت الذي ينعش أنواع أخرى من السياØØ© التي عادة ما تنتعش جنبا إلى جنب مع السياØØ© الدينية، كالسياØØ© البيئية، والسياØØ© الثقاÙية المرتبطة بثقاÙØ© البلد، والسياØØ© الريÙية، وأنواع أخرى كثيرة من السياØات، التي يمكن أن تندرج ÙÙŠ مسمى عام هو السياØØ© الثقاÙية.
-<< إن دور الرسل والأنبياء وتعاليمهم كان أساسياً لتطور البشرية والأخذ بيدها Ù†ØÙˆ التقدم، Øتى ولو تÙرقت وتباعدت أماكن وأزمنة ظهورهم، Ùدورهم كان واØداً ومهمتهم واØدة وهدÙهم واØد، وهو مساعدة البشرية على التقدم والتطور العلمي والروØاني.
- إن إعادة Ø¥Øياء مسارات الرسل والأولياء الصالØين، وجعل آثارهم شواهد وشواخص سياØية تÙعلم الجيل الناشئ مبادئ السلام والرØمة التي جاءت بها رسالة السماء، هي خطوة هامة ÙˆØاسمة لنشر مبادئ السلام والعدالة ÙÙŠ العالم، خصوصا مع Øقيقة كون غالبية سكان الأرض هم من الموØدين.
- تعتبر السياØØ© من أهم وسائل التقارب، والتÙاعل، والتواصل، والتلاقي الØضاري، وينبغي على المنظمات السياØية الÙاعلة على الساØØ© الدولية، وضع وترسيخ المبادئ والقيم والأخلاقيات العامة، التي على Ø§Ù„Ø³Ø§Ø¦Ø ÙˆØ§Ù„Ø¯ÙˆÙ„Ø© المضيÙØ© له، Ø¥Øترامها ليستمتع الجميع بالسياØØ©ØŒ بمختل٠أبعادها، الصØية والإجتماعية، والإقتصادية.
Ùلتكن السياØØ© الدينية على رأس أولويات القائمين على السياØØ© ÙÙŠ العالم الإسلامي، Ùيكون الاهتمام منهم بالمساجد التي تضم أضرØØ© الأنبياء والأولياء، خصوصا أهل بيت النبوة عليهم السلام، وأن تكون الزيارة إليها استلهاما لدروس الوØدة والأمن والسلام، ودÙعا للÙرقة والشقاق والتخاصم.
يا سائرين ÙÙŠ دروب السلام سيروا وعين الله ترعاكم.
|