العدد 35
سياØØ© السلام شعوب العالم تسير ÙÙŠ دروبها لماذا السياØة؟
تناولت البØوث والدراسات والمؤتمرات والمعارض السياØØ© على مختل٠الأصعدة الاقتصادية، والثقاÙية، والتاريخية، والإجتماعية، Øتى بدأت تطرق أبواب السلام ما بين الأمم، لكني لم أعثر على دراسة واÙية Ù„Øاجات الÙرد الذي تتكون منه المجاميع والمجتمعات للسياØØ©ØŒ وما هي هذه الØاجات، على مستوى الÙرد وتجربته الذاتية. ربما لأن ذلك يدخل ÙÙŠ إطار علم النÙس الاجتماعي وسبر أغوار النÙس أكثر منه صلة بعلم ونشاط تطبيقي كالسياØØ©ØŒ لكن وقÙØ© تأملية عند هذا الموضوع تظهر العلاقة المتبادلة بينهما والوثيقة الصلة.
يتعرض كل إنسان إلى كثير من أنواع الضغوط الØياتية ÙÙŠ كل مرØلة من مراØÙ„ العمر. ينشأ الضغظ عادة من خلال تعامل الÙرد مع البيئة عندما ÙŠÙسر تنبيهاً ما على أنه خطر أو تØد. ويكون الموق٠الضاغط متضمناً لمتطلبات تتجاوز الوسائل المتاØØ©. ومن الصعب وص٠وتصني٠ضغوط الØياة المختلÙØ©ØŒ لكن يمكن تصنيÙها إلى ثلاثة أنواع رئيسة: النوع الاول هو الضغوط الÙيزياوية، وهي التي تسبب الأذى الجسدي المباشر الذي قد ينتج من الØروب، والقمع والتعذيب نتيجة الموق٠السياسي، والكوارث الطبيعية، التلوث، العدوى بالجراثيم. النوع الثاني هو الضغوط الإجتماعية، وهي التي تنجم عن التÙاعل السلبي مع الآخرين ÙÙŠ مختل٠البيئات، كالمنزل (العلاقات العائلية)ØŒ والعمل (علاقات العمل)ØŒ والمدرسة (علاقات الدراسة). ويمكن وص٠كل من البيئات السابقة بالبيئة الرئيسية، لكون الشخص يقضي وقتاً طويلاً Ùيها، وتنتج Ùيها علاقات مستمرة، لذلك Ùهي مهمة، عكس بيئات أخرى يمكن وصÙها بأنها ثانوية أو انتقالية وتØدث Ùيها علاقات عابرة. كذلك تدخل ÙÙŠ هذا الإطار المكانة، والطبقة الاجتماعية ÙˆØ·Ù…ÙˆØ Ø§Ù„Ø¥Ù†Ø³Ø§Ù† للإرتقاء من الناØية الثقاÙية، والاقتصادية لتØسين وضعه الاجتماعي. أما النوع الثالث Ùهو الضغوط النÙسية، وعادة ما تكون نتيجة للضغوط من النوع الأول أو الثاني أو كلاهما، وهي أكثر الأنواع ضرراً بسبب طبيعتها التوترية ÙˆØدتها الإنÙعالية، وتتضمن مختل٠المشاعر والعواط٠لدى الإنسان كالØب والكره والإØباط والÙشل ÙˆØتى الملل من الرÙاه والÙراغ. Ùأين المÙر من هذه الضغوط؟
إن الضغوط الناتجة عن مختل٠المصادر تÙرض على الإنسان إتباع الوسائل والأساليب المناسبة للتعامل معها، وهو ما يسمى باستراتيجيات التعامل مع الضغوط. ويمكن أن يتم ذلك بوسائل عديدة منها الØÙ„ المباشر للمشكلة عن طريق التÙكير المنظّم، تليه عملية اتخاذ القرار المناسب. أو عن طرق البØØ« عن مساعدة الآخرين (المساندة الاجتماعية) التي يمكن أن تأخذ أساليب مختلÙØ© كالمساعدة الجسمية، أو المادية، أو الإرشاد وتوÙير المعلومات، أو التÙاعل والتكاÙÙ„ØŒ والمشاركة الاجتماعية وهكذا. ويمكن أن يكون التعامل مع الضغوط بطريقة تقيمية تتضمن إعادة تعري٠الموق٠والنظر إليه من جديد. وقد يؤدي ذلك إلى التقليل من Øدة الضغط أو تÙاقمه. ومن الطرق المتبعة أيضاً ÙÙŠ التعامل، تجنب الموق٠الضاغط ويكون ذلك بأشكال متعددة كالهروب من الموقÙØŒ أو التشاغل عنه، أو كبته، أو تجاهله.
إن ما يهمنا ÙÙŠ هذا البØØ« وما Ù†Øاول التنظير له هو أن السياØØ© والسÙر والتغيير الذي يصاØبهما هو Ø£Øد الخيارات العقلانية الواردة للشخص الذي يتعرض للضغط، وهو بالتأكيد Ø£Øد خيارات استراتيجيات التعامل مع الضغوط التي تمكن الÙرد من التعر٠على ذاته والترÙيه عنها، خاصة ذلك المساÙر القادم من واقع يسلبه قدرة التعر٠على الذات، وطلب الأمن والسكينه لها.
وإن كان السÙر مع الأسرة والأصدقاء Ùلا يمكن لأØد التقليل من Øقيقة دور هذا السÙر ÙÙŠ تØسين وتمتين أواصر الروابط العائلية كعلاقة الزوج بزوجته، وعلاقة الأبناء بالوالدين، والعكس بالعكس، وهذا امر Øيوي وجوهري ÙÙŠ إلغاء أو تخÙي٠الضغوط الاجتماعية ÙÙŠ واØدة من أهم البيئات الرئيسية، ألا وهي بيئة المسكن.
أما السياØات الجماهيرية، Ùهي متعة ما بعدها متعة Øيث أن الجميع يشارك ÙÙŠ الوصول إلى Ù†Ùس الاهدا٠التي ساروا من إجلها، وتتجلى Ùيها نظرية السلوك الجمعي، أوعلم Ù†Ùس الØشود على اختلا٠تÙسيراتها ونتائجها، والتي نراها من وجهة نظرنا إيجابية، إن اتسمت بالدقة ÙÙŠ التنظيم واقترنت بسمو الوسائل والمقاصد والغايات. وبتØقق هذه الشروط بمجموعها نضمن عدم تØول السلوك الجمعي للØشود عن أهداÙه، ÙلايتØول إلى أعمال شغب وعن٠مثلما تروج له بعض النظريات. بل على العكس من ذلك Ùإن التÙاعل الاجتماعي بين الأÙراد لهذه الØشود يؤدي إلى الانسجام الÙكري والروØÙŠ بينهم. ومن نتائجها الإيجابية تنمية ثقة الÙرد بنÙسه وتعزيز إنتمائه للمجموع، والتÙاعل الإيجابي ÙÙŠ مواجهة الانعزال الاجتماعي من Øيث انه يمثل أخطر العوامل التي تؤدي إلى الاضطرابات العقلية التي تصيب الانسان المØروم من المشاركة ÙÙŠ النشاطات الاجتماعية، والتغيير الاجتماعي الذي ÙŠØصل بتظاÙر الجهود. وأخيرا ÙلسÙØ© الاقناع ÙÙŠ تØديد الظرو٠الموضوعية التي تبعث على تغيير اتجاهات الأÙراد واعتقاداتهم وسلوكهم، Ùيكون التجمع ساØØ© ÙÙŠ الإقناع وتبليغ الرسالة والهد٠النبيل، والمنهج القويم.
هنا تأتي الاختيارات المتنوعة لتصل إلى درجة المضادات والتناقض ما بين شخص وآخر ÙÙŠ إختيار نوع السياØØ© للترÙيه والراØØ© النÙسية، Ùنرى هناك من يذهب إلى اللهو بمختل٠أنواعه ودرجاته الأخلاقية، وآخر يذهب إلى مشاهدة العروض المسرØية أو الرياضية بأنواعها، وآخر يذهب للبØØ« والإطلاع على Øضارات الأمم ومسالك التاريخ عبر القرون والأجيال، والآخر يذهب إلى مراكز العبادة والتعبد، وهناك من لايهمه لا هذا ولا ذاك إنما يذهب إلى أماكن السكينة والإسترخاء.
إذا أردنا البØØ« عن غاية أوهد٠مشترك يجمع مختل٠السائرين ÙÙŠ دروب السياØØ© للوصول إليه وتØقيقه، Ùلابد أن يكون السلام الذي يوÙر للنÙوس المتعبة الراØØ© والسكينة والأمان هو ÙÙŠ مقدمة هذه الاهدا٠من المنظور الذاتي. وهذا يقودنا إلى أسئلة أخرى: Ùأي نوع من أنواع السياØØ© يستطيع الإنسان أن يسلكها لإدراك Øالة السلام والسكينة مع النÙس والآخرين؟ وأي من هذه الدروب هو الأكثر عطاءا وتعبيرا عن هذه الغاية النبيلة ÙˆØ§Ù„Ø£Ù†Ø¬Ø ÙˆØ§Ù„Ø£Ø³Ø±Ø¹ لتØقيقها؟ وأي من هذه الدروب يكون بمقدور الÙرد تØمّل كلÙها؟ إن جميع هذه الÙقرات تتعلق Ø¨Ø§Ù„Ø³Ø§Ø¦Ø Ø£Ùˆ جموع Ø§Ù„Ø³ÙŠØ§Ø ÙˆØالتهم النÙسية من منظور ذاتي، لكن هناك منظورا وبعدا آخر لايقل أهمية عن هذا الجانب، بل ويتعداه أهمية من ناØية الأثر والمردود، ألا وهو كيÙية توظي٠وصقل هذا الهد٠المشترك لغالبية السياØØŒ والمتمثل بتØقيق Øالة السكينة، الراØØ©ØŒ الأمان، السلام مع الذات، ÙˆØالة السلام والتواÙÙ‚ مع الآخرين، لنشر مبادئ Ø§Ù„ØªØ³Ø§Ù…Ø ÙˆØ§Ù„ØªØ±Ø§ØÙ… ما بين الØضارات والثقاÙات المختلÙØ© الموجودة على وجه البسيطة. وتØقيق هذا الهد٠يتعدى Ø§Ù„Ø³Ø§Ø¦Ø ÙˆÙ…Ø§ ÙŠØس ويشعر به، ليدخل ÙÙŠ شبكة ومنظومة السياØØ© العالمية ومنظماتها الÙاعلة على الساØØ© الدولية، وكذلك المخطط السياØÙŠ وما يضعه من أهدا٠واستراتيجيات التنÙيذ Øين التخطيط على المستوى السياØÙŠ الشامل للبلد، ومدى نضج هذا المخطط ليتجاوز البعد والمردود المادي المباشر، إلى أهدا٠وغايات نبيلة تأتي أكلها ولو بعد Øين.
إن اÙضل أنواع السياØØ© بنظرنا والتي يمكن أن تØقق للÙرد Øالة الأمن والأمان والسلام والسكينة، هي السياØØ© الدينية. وهذا لايعني بأي Øال من الأØوال التقليل من جدوى باقي أنواع السياØات ومردودها ÙÙŠ هذا المضمار، لكن إيمان وقناعة Ø§Ù„Ø³Ø§Ø¦Ø Ø¨Ù…Ø§ ÙŠÙعله من طقوس وشعائر أثناء تأديته إياها ومردودها الديني والدنيوي، والجماعية التي تتم بها، هو ما يعزز هذا الشعور الداخلي Ùيه.
ولأهمية السياØØ© الدينية الجماعية، لتØقيق السلام ÙÙŠ العالم، Ùسيتم التطرق له بشكل Ù…Ùصل ÙÙŠ العدد القادم إن شاء الله، بينما نسلط الضوء ÙÙŠ هذا المقال على أنواع السياØات الأخرى التي يمكن أن توÙر للأÙراد، والجموع، والشعوب Øاجتها الÙطرية لاستعادة وتعزيز Øالة السلم والإستقرار الداخلي مع النÙس والآخرين، والتخÙي٠من ضغوط الØياة.
وقد تناولنا ÙÙŠ مقالات سابقة من مجلة السياØØ© الإسلامية أنواع مختلÙØ© من السياØات، على سبيل المثال لا الØصر: السياØØ© الثقاÙية (العدد 2 Ùˆ24)ØŒ السياØØ© المدرسية (العدد 4)ØŒ السياØØ© العلاجية (العدد 5)ØŒ السياØØ© النهرية (العدد 8)ØŒ سياØØ© الإقامة (العدد 21)ØŒ سياØØ© الÙضاء (العدد 31)ØŒ سياØØ© ذوي المداخيل المØدودة (العدد 32) والسياØØ© الدينية (العدد 33).
وإني أرى أن كل هذه الأبواب التي تم التطرق إليها تعكس وجوها وجوانب مختلÙØ©ØŒ وتمثل كلاً منها Øلقةً لاغنىً عنها ÙÙŠ سلسلة موضوع سياØØ© السلام، لذلك أسعى إلى جمعها وتدوينها ÙÙŠ كتاب تØت عنوان: Ø¢Ùاق إسلامية للسياØØ©: من أجل السلام العالمي
سياØات السلام يمكن أن تتجلى بمسيرات، وأنشطة رياضية، ذات أبعاد خيرية، وأهدا٠نبيلة، تتخطى Øدود الدول وتتم بمبادرات Ùردية، أو جماعية لنشر السلم ÙÙŠ العالم. منها على سبيل المثال مسيرة نساء من أجل السلام، التي استضاÙتها سورية العام المنصرم، وبتنظيم من Øركة (أتبع النساء) الدولية. انطلقت المسيرة التي استخدمت Ùيها الدراجات الهوائية، من جامعة Øلب شمال سوريا، باتجاه قلعة سمعان التاريخية، ومروراً ببلدات ومدن ودول أخرى هي، لبنان، ÙˆÙلسطين، وانتهت بالعاصمة الأردنية عمان، خلال مدة 12 يوماً وبمشاركة مئات النساء من ثلاثين دولة Øول العالم، تتقدمهم شخصيات نسائية Ùاعلة على الساØØ© الدولية، كمؤسسة جمعية (نساء من أجل السلام) البريطانية، ديتا ريغان، التي Ùازت بلقب امرأة أوربا، ورشØت لنيل جائزة نوبل للسلام.
تعزز هذه الÙعالية تبادل الآراء، ومعرÙØ© الثقاÙات المختلÙØ© بوسائل سلمية ÙˆØ±ÙˆØ Ø±ÙŠØ§Ø¶ÙŠØ©ØŒ وتسلط الضوء على Øاجة المنطقة للسلم والأمان، بالإضاÙØ© لجمع التبرعات لمساندة النساء والأطÙال ÙÙŠ الشرق الأوسط، كما تمكن المشاركات من قضاء أجمل الأوقات، ومشاهدة البلدان المختلÙØ© بواسطة الدراجات الهوائية، وتØقيق ذاتهم والتعبير عن ما بداخلها من رسالة سلام للعالم، عبر هذه الوسيلة الØضارية.
مثال آخر على هذا النوع من السياØØ©ØŒ المارثون السنوي للدراجات الهوائية ÙÙŠ لندن، والمعرو٠بإسم باسم البايكثون، وبمشاركة مئات المتسابقين. ويلاØظ أن المشاركة ÙÙŠ هذه الÙعالية تضم مختل٠الأعمار والÙئات، أطÙالا ومسنين، عوائل وأصدقاء، يجمعهم هد٠واØد نبيل، هو جمع الأموال لمساندة Ø¥Øدى الجمعيات الخيرية العاملة من أجل البØØ« عن علاج للأمراض المستعصية. وقد تم جمع ما يزيد عن 200,000 باون أسترليني ÙÙŠ بايكثون العام الماضي.
إنني من أشد مؤيدي هذا النوع من سياØØ© الرياضة الذي يتم بواسطة الدراجات الهوائية، ولأسباب عديدة منها: السرعة المعقولة للتنقّل بواسطة الدراجة الهوائية، وكونها وسيلة تنقّل نظيÙØ© ومتواÙقة مع البيئة، ومناÙعها الصØية والنÙسية للجسم، ورخصها مقارنة بوسائل النقل الأخرى، والإمكانية والمرونة الواسعة التي توÙرها للتنقل ÙÙŠ Ø£Øياء المدن الضيقة والمزدØمة، خصوصا القديمة منها. لهذه الأسباب، وأخرى غيرها، يمكن أن تلعب الدراجة الهوائية دورا كبيرا ÙÙŠ السياØØ© ÙˆÙÙŠ اكتشا٠معالم الدول ومدنها.
وإلى العدد القادم Øيث سنتناول Ùيه مسيرة أب الأنبياء، إبراهيم الخليل عليه السلام، ومسيرات الأنبياء والأولياء الإيمانية التي سارت وتسير البشرية ÙÙŠ دروبها.
ياسائرين ÙÙŠ دروب السلام سيروا وعين الله ترعاكم.
|