آفاق السياحة الإسلامية
لطبع الصفحة


العدد 11

السياحـة الإسلامـيـة:
أيـن موقـعها من خارطة السياحة العالمية؟

أين موقع السياحة الإسلامية؟ هذا السؤال أخذ في الآونة الأخيرة يتردد في ذهني كثيراً، فبعد ما يزيد على ثلاث سنوات من العمل الجاد والمرهق، وبعد صدور عشرة أعداد من مجلة السياحة الإسلامية، وبعد تكوين الموقع الالكتروني ونشرته الأسبوعية "الأخبار السياحية"، وبعد حضور عشرات المعارض الدولية السياحية في الأقطار الأوروبية والعربية والإسلامية وغيرها والقيام بتوزيع المجلة خلالها ومقابلة الشخصيات المهمة التي تعنى بالسياحة، وبعد الاستثمار في أفضل الأجهزة الالكترونية المتطورة، وكذلك مشاركة الكثير من الكفاءات في التحرير والإنتاج باللغتين العربية والإنجليزية والمتابعات وغيرها من التفاصيل التي لا مجال لشرحها، بعد كل ذلك لابد أن نعود إلى السؤال الذي بدأنا به:

"أين موقع "السياحة الإسلامية" على خارطة السياحة العالمية؟ وهل طرحت نفسها أمام كل مسؤول في عالم السياحة كمشروع يستحق التأمل والعمل؟

ما هو المقصود من هذا السؤال؟ هل المقصود هو موقع السياحة الإسلامية من عالم الإعلام كمجلة وموقع على شبكة المعلومات الألكترونية؟

أم المقصود الحركة السياحية على اختلاف أشكالها وآفاقها باعتبارها منتجات سياحية تدور مع دوران عجلة الصناعة السياحية عبر العالم؟

الإجابة على الشق الأول من السؤال لا تتطلب أي جهد حيث إن المجلة وموقعها الإخباري يتحدثان عن نفسيهما في كل إصدار وفي كل نشرة إخبارية الكترونية وفي كل صفحة من موقعها الالكتروني، سواء كان ذلك في صفحتها الرئيسية الإخبارية، أو في صفحات البلدان، وهي الصفحات الآخذة في التطور يوما بعد يوم. لقد سعت "السياحة الإسلامية" للمشاركة في الكثير من النشاطات السياحية في العالم وكتبت عنها. والمراجع للنشرتين الإخباريتين على الموقع الألكتروني يجد كمّا هائلا من الأخبار والتقارير. لقد أصبحت السياحة الإسلامية، كمجلة وموقع، معروفة للأوساط العربية والإسلامية والعالمية. ونحن واثقون من واقعها الحالي ونأمل الكثير من مستقبلها.

والمشكلة تكمن في الشق الثاني من سؤال "أين موقع السياحة الإسلامية؟"وهو المعني في بحثنا هذا. كان حضور مجلة السياحة الإسلامية في معارض السفر والسياحة العالمية حدث لا يستهان به من حيث طبيعة هذه الصناعة المتعارف عليها عالميا، خصوصا في ظلّ الظروف الأمنية التي تمر بالعالم والتي تحاول بعض الأجهزة الإعلامية لصقها بالإسلام. ونتيجة لهذا الحضور المكثف برز ألف سؤال وسؤال حول السياحة الإسلامية التي فتحت آفاقا جديدة في عوالم السياحة النوعية حيث صناع السياحة يبحثون عن كل منتج سياحي جديد لغرض تطوير وتوسيع أعمالهم. والأمر لا يتعلق بالمجلة وإنما بمشروع سياحة إسلامية قادرة على طرح البرامج والمنافسة في سوق عالمي مزدحم بالبرامج والمشاريع. وهذا الجانب يبدو مخيّبا للآمال، فمن المؤسف أن تكون المنتجات السياحية الإسلامية غائبة عن الساحة الدولية، وتكاد لا تجد لها حضورا في المعارض التي تبرز فيها كل أنواع المنتجات السياحية. والمعارض السياحية تزدحم بكل أنواع السياحة، حتى الغريب منها، حتى تلك التي لا يوجد تأييد أخلاقي أو ديني لها، وقد نظمت لها برامج خاصة.

أما السياحة الإسلامية التي يدور فيها ملايين المسلمين حول العالم والمتمثلة في الحج والعمرة وزيارات العتبات المقدسة في العراق، مثل كربلاء والنجف وبقية المدن العراقية، وغيرها من المدن الأخرى في العالم الإسلامي والتي يحتفل بها الملايين من المسلمين فإن مما يؤلم النفس هو تخلفها عن سياق السياحة العالمية، فهي تفتقر إلى الخطط السياحية والبرامج والوسائل الإعلامية الواضحة، مثل النشرات الإعلامية، الحضور على شبكة الإنترنت، تنظيم الرحلات المختصة والمتضمنة لكلف محددة، وتحويلها من الطابع الفردي إلى الطابع المؤسساتي. ولابد لمسؤولي السياحة الإسلامية والعاملين في حقول السياحة من وقفة تأمل للإجابة على الأسئلة التالية:

1- أين موقع السياحة الإسلامية من خارطة السياحة العالمية؟

2- أين هي المنتجات السياحية الإسلامية المنظمة والمبرمجة والتي تلبي متطلبات ملايين المسلمين في العالم لعرضها وتسويقها في المعارض الدولية لتنتقل بدورها إلى الشركات السياحية ومكاتب السفر والسياحة؟

3- ما هي المنتجات السياحية النابعة من تراثنا ومعتقداتنا وتوجهات شعوبنا؟

4- أين هي شركات ومكاتب ومنظمو سفرات الحج والعمرة وزيارات العتبات المقدسة المنتشرين في أنحاء المعمورة؟ لماذا لم يبرمجوا سفراتهم ولماذا لم يعلنوا عن أنفسهم ويكون لهم حضورهم الفعال في المعارض الدولية والإعلام الدولي؟

5-ولماذا لا يتوجه وزراء السياحة ومسؤولوها لمساعدة ودعم جهود المبادرين في تسويق البرامج السياحية الإسلامية الكثيرة والجديدة في سوق السياحة والسفر العالمية بدلا من الذهاب إلى المعارض الدولية لتسويق منتجات مقلدة عن منتجات غربية وهم في ذلك كالذي يبيع الماء في حارة السقائين؟

إن زيارة سريعة إلى وكالة من وكالات السفر الغربية، أو في الدول المتقدمة عموما، تطلعك على عشرات السفرات المنظمة التي يطلق عليها في الغرب "باكج ديل". تكون السفرة ذات برنامج منظم ومحسوب بالأيام والساعات، ويكون السائح عارفا بما يصبو إليه ومدى تحقيق البرنامج لطموحاته، ومواعيد حلّه وترحاله. وتنشر هذه البرامج على الجمهور، في شكل نشرات جميلة توزع مجانا في الوكالة ذاتها وفي أسواق السفر العالمية والمعارض السياحية.

وقارن ذلك بما هو موجود عندنا، ترى في الغالب أن الوكالات السياحية الإسلامية لا تحسن عرض منتجاتها السياحية، ولا تهتم بإبرازها إلى الجمهور المحلي والعالمي، كما أنها لا تراعي تنظيم جداول زمنية للسفرات أو أنها لا تبدي تقيدا بهذه البرامج. وهناك سياحة دينية، فهناك وكالات للحج والعمرة والزيارات ولكن نطاق عملها فردي وغير منظم ومحدود من حيث فائدته الثقافية والدينية.

فلابد إذن من القيام بتوفير البرامج السياحية الإسلامية، وتوفير الأدلاء المثقفين ممن يعرفون المواقع الأثرية جغرافية وتاريخا، ومن القادرين على التخاطب بأكثر من لغة. ومن الضروري الدعاية لهذه البرامج عن طريق الوسائل الحديثة، مثل الإنترنت، والمعارض السياحية العالمية.

ونحن واثقون أنه إذا لم تبادر الجهات المعنية ببلورة ما جاء أعلاه وتنهض بإبراز المنتجات السياحية الإسلامية بصورة منظمة ومتطورة، فسوف تأتي شركات السياحة العالمية لأخذها والإنطلاق بها. وهكذا نرى الآن الكثير من البنوك العالمية تسوق منتجاتها في حقول التعامل بأموال المسلمين بدون ربا، وكذلك الشركات الكبرى ذات الأقسام المتعددة التي تعمل على تسويق المواد الغذائية بالإعلان عن تلبية طلبات زبائنها من اللحم الحلال، وغيرها من المنتجات التي تتوفر فيها الشروط الإسلامية كمنتج مستقل جنبا إلى جنب مع المنتجات الأخرى التي تسوقها لعموم الناس.

ولرب قائل يقول: كيف نسوّق منتجاتنا السياحية الإسلامية ونحن نواجه هذه الحملة التخريبية من قبل جهات متطرفة وهي حملة مرفوضة وفق كل المعايير والقيم الإنسانية، وكذلك نواجه حملة إعلامية تضخم هذه الأحداث. والهدف هو شل حركة الواقع والحياة، ولكن الحياة تسير بكل همة ونشاط ولا يعيق تحركها أي حادث مهما بلغت درجة بشاعته. ولابد للحكومات من أن تتخذ كافة الاحتياطات لمنع حدوث عمليات التخريب مثل ما حدث مؤخرا في كل من كربلاء وبغداد يوم عاشوراء وما حدث في مدريد في أسبانيا بشرط ألا تكون هذه الاحتياطات قرارات عامة تشل حركة السياحة والسفر مابين الدول، وخاصة المتجاورة منها، أو منع سفر مواطنيها إلى دولة أو دول معينة، أو فرض قيود مشددة على السفر، مثل الحصول على الفيزة والإجراءات الأخرى التي تحد من السفر بين الدول ذات المصالح المشتركة، ومنها السياحة.

وعلى الحكومات أن تتمثل بشعوبها، وكيف أنها استطاعت تجاوز المحن والاستمرار في حياتها اليومية العادية بالرغم مما يواجهها من أنواع الكوارث والمحن، وذلك باجتناب اتخاذ القرارات الزجرية العامة، وإلغائها إن حصلت، لتدع الشعوب تتعايش مع بعضها حتى وإن حدث ما يعكّر أمنها وصفاء حياتها من قبل أفراد أو مجموعات خارجة عن القانون.

فلنجعل أرقام السفر والسياحة ما بين شعوب المعمورة هي المقياس الذي تتبارى الشعوب وحكوماتها على نيل أفضلها.

وأخيرا لابد من الإشارة في مجال الإجابة على السؤال الذي طرح في بداية هذا المقال، إلى أن مجلة السياحة الإسلامية وموقعها على الانترنت، قادران ومؤهلان للقيام بالمساعدة في بلورة برامج السياحة الإسلامية وفق ما ورد أعلاه، فبادر بالاتصال بها لتنسيق الجهود لإخراج المنتجات السياحية الإسلامية المنظمة وعرضها في الأسواق العالمية عبر المعارض والشركات السياحية ومكاتب السفر المنتشرة في أنحاء المعمورة.

والله ولي التوفيق.....

Copyright © A S Shakiry and TCPH Ltd.